وأما سبب عبادة العرب لها فغير ذلك قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي وهو أول من غير دين إبراهيم عليه السلام خرج من مكة إلى الشام في بعض أسفاره فلما قدم أرض البلقاء وبها يومئذ العمالقة أولاد عملاق ويقال عمليق بن لاود بن سام بن نوح عليه السلام رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم : ما هذه التي أراكم تعبدون فقالوا : هذه الأصنام نعبدها ونستمطر بها فتمطرنا ونستنصر بها فتنصرنا فقال لهم : ألا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه فاعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وقال ابن اسحق : يزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني اسمعيل عليه السلام وذلك أنه كان لايظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد الا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيث ما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى خلفهم الخلف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام غيره فعبدوا الأوثان فصاروا على ما كانت الامم قبلهم من الضلالات وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة الكلام على ذلك وكذلك نري إبراهيم هذه الاراءة من الرؤية البصرية المستعارة استعارة لغوية للمعرفة من إطلاق السبب على المسبب أي عرفناه وبصرناه وكان الظاهر أرينا بصيغة الماضي إلا أنه عدل إلى صيغة المستقبل حكاية للحال الماضية استحضارا لصورتها حتى كأنها حاضرة مشاهدة وقيل : إن التعبير بالمستقبل لأن متعلق الاراءة لا يتناهى وجه دلالته فلا يمكن الوقوف على ذلك إلا بالتدريج وليس بشيء والاشارة إلى مصدر نري لا إلى اراءة أخرى مفهومة من قوله تعالى إني أراك ولا إلى ما أنذر به أباه وضلل قومه من المعرفة والبصارة وجوز كل وقيل : يجوز أن يجعل المشبه التبصير من حيث أنه واقع والمشبه به التبصير من حيث أنه مدلول اللفظ ونظيره وصف النسبة بالمطابقة للواقع وهي عين الواقع وجوز كون الكاف بمعنى اللام والاشارة إلى القول السابق وأنت تعلم ماهو الاجزل والاولى مما تقدم لك في نظائره وليس هو إلا الاول أي ذلك التبصير البديع نبصره عليه السلام ملكوت السموات والأرض أي ربوبيته تعالى ومالكيته لهما لا تبصيرا آخر أدنى منه فالملكوت مصدر كالرغبوت والرحموت كما قاله ابن مالك وغيره من أهل اللغة وتاؤه زائدة للمبالغة ولهذا فسر بالملك العظيم والسلطان القاهر وهو كما قال الراغب مختص به تعالى خلافا لبعضهم وعن مجاهد أن المراد بالملكوت الآيات وقيل : العجائب التي في المسوات والارض فانه عليه السلام فرجت له السموات السبع فنظر إلى ما فيهن حتى أنتهى بصره إلى العرش وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والارض أشرف على رجل على معصية من معاصي الله تعالى فدعا عليه فهلك ثم أشرف على آخر على معصية من معاصي الله تعالى فدعا عليه فهلك ثم أشرف على آخر فذهب يدعو عليه فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم انك رجل مستجاب الدعوة فلا تدع على عبادي فانهم مني على ثلاث إا أن يتوب العاصي فأتوب عليه وإا أن أخرج من صلبه نسمة تملأ الأرض بالتسبيح وإا أن أقبضه إلي فان شئت عفوت وإن شئت عاقبت روي نحوه موقوفا ومرفوعا من طرق شتى ولا خلاف فيها لدلائل المعقول خلافا لمن توهمه وقيل : ملكوت السموات الشمس والقمر والنجوم وملكوت الأرض الجبال والاشجار والبحار