لافاضة وجوداتها عليها بمقتضى الحكمة فيمكن أن يقال : إن المفاتح بمعنى الخزائن إشارة إلى تلك الماهيات الأزلية التي هي كالمرايا لما غاب عنا من الصور وتلك حاضرة عنده تعالى أزلا ولا يعلمها علما حضوريا غير محتاج إلى صورة ظلية إلا هو جل وعلا وهذا ظاهر لمن أخذت العناية بيده ويعلم ما في البر أي بر النفوس من ألوان الشهوات ومراتبها والبحر أي بحر القلوب من لآليء الحكم ومرجان العرفان وما تسقط من ورقة من أوراق أشجار اللطف والقهر في مهيع النفس وخصم القلب إلا يعلمها في سائر أحوالها ولا حبة من بذر الجلال والجمال في ظلمات الأرض وهو عالم الطبائع والاشباح ولا رطب من الالهامات التي ترد على القلب بلطف من غير انزعاج ولا يلبس من الوساوس والخطرات التي تفزع منها النفس حين ترد عليها إلا في كتاب مبين وهو علمه سبحانه الجامع وبعضهم لم يؤول شيئا من المذكورات وفسر الكتاب بسماء الدنيا لتعين هذه الجزئيات فيها ويمكن أن يقال إن الكتاب إشارة إلى ماهيات الأشياء وهي المسمات بالاعيان الثابتة ومعنى كونها فيها ما أشرنا اليه أن تلك الأعيان كالمرايا لهذه الموجودات الخارجية وهو الذي يتوفاكم بالليل أي ينيمكم وقيل : يتوفاكم بطيران أرواحكم في الملكوت وسيرها في رياض حضرات اللاهوت .
وقيل : يمكن أن يكون المعنى وهو الذي يضيق عليكم إلى حيث يكاد تزهق أرواحكم في ليل القهر وتجلي الجلال ويعلم ما جرحتم أي كسبتم بالنهار من الأعمال مطلقا وقيل من الأعمال الشاقة على النفس المؤلمة لها كالطاعات .
وقيل : يحتمل أن يكون المعنى ويعلم ما كسبتموه بنهار التجلي الجمالي من الانس أو شوارد العرفان ثم يبعثكم فيه أي فيما جرحتم من صور أعمالكم ومكاسبكم الحسنة والقبيحة وقيل الحسنة وقيل فيما كسبتموه في نهار التجلي وأول الأقوال هنا وفيما تقدم أولى ليقضي أجل مسمى أي معين عنده ثم إلى ربكم ترجعون في عين الجمع المطلق فينبئكم بما كنتم تعملون باظهار صور أعمالكم عليكم وجزائكم بها وهو القاهر فوق عباده لأنه الوجود المطلق حتى عن قيد الاطلاق وله الظهور حسبما تقتضيه الحكمة ولا تقيده المظاهر والله من ورائهم محيط .
ويرسل عليكم حفظة وهي للقوى التي ينطبع فيها الخير والشر ويصير أو ملكه ويظهر عند انسلاخ الروح ويتمثل بصورة مناسبة أو القوى السماوية التي تنتقش فيها الصور الجزئية ولا تغادر صغيرة ولا كبيرة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا قيل : هم نفس أولئك الحفظة وقد أودع الله تعالى فيهم القدرة على التوفي ثم ردوا إلى الله في عين الجمع المطلق مولاهم أي مالكهم الذي يلي سائر أحوالهم إذ لا وجود لها إلا به الحق وكل ما سواه باطل وذكر بعض أهل الاشارة أن هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى بناء على أن الله تعالى أخبر برجوع العبد اليه سبحانه وخروجه من سجن الدنيا وأيدي الكاتبين واصفا نفسه له بأنه مولاه الحق المشعر بأن غيره سبحانه لا يعد مولى حقا ولاشك أنه لا أعز للعبد من أن يكون مرده إلى مولاه ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين إد ظهور الأعمال بالصور المناسبة آن مفارقة الروح للجسد .
قل من ينجيكم من ظلمات البر وهي الغواشي النفسانية والبحر وهي حجب صفات القلب تدعونه إلى كشفها تضرعا في نفوسكم وخفية في اسراركم لئن أنجيتنا من هذه الغواشي والحجب لنكونن من الشاكرين بنعمة الانجاء بالاستقامة والتمكين قل الله ينجيكم منها بانوار تجليات صفاته ومن كل كرب سوى ذلك بأن