المس من خواص الاحياء وفي البحر أنه يشعر بالاختيار ومنع ذلك بعضهم وادعى عصام الملة أنه أشير بالمس إلى أن العذاب لا يأخذهم بحيث يعدمهم حتى يتخلصوا بالهلاك وله وجه بما كانوا يفسقون .
94 .
- أي بسبب فسقهم .
نعم أخرج ابن جرير عن ابن زيد أن كل فسق في القرآن معناه الكذب ولعله في حيز المنع وخروجهم المستمر عن حظيرة الايمان والطاعة وقد يقال : الفاسق لمن خرج عن التزام بعض الاحكام لكنه غير مناسب ههنا .
قل أيها الرسول البشير النذير للكفرة الذين يقترحون عليك ما يقترحون : لا أقول لكم عندي خزائن الله أي مقدوراته جمع خزينة أو خزانة أو خزنة وهي في الأصل ما يخفظ فيه الاشياء النفيسة تجوز فيها عما ذكر وعلى ذلك الجبائي وغيره ولم يقل : لا أقدر على ما يقدر عليه الله قيل : لأنه أبلغ لدلالته على أنه لقوة قدرته كأن مقدوراته مخزونة حاضرة عنده وقيل : الخزائن مجاز عن المرزوقات من اطلاق المحل على الحال أو اللازم على الملزم وقيل : الكلام على حذف مضاف أي الخزائن ورزق الله تعالى أو مقدوراته والمعنى لا أدعي أن هاتيك الخزائن مفوضة إلي أتصرف فيها كيفما اشاء استقلالا أو استعاء حتى تقترحوا على تنزل الآيات أو أنزال العذاب أو قلب الجبال دهبا أو غير ذلك مما لا يليق بشأني .
ولا أعلم الغيب عطف على محل عندي خزائن الله فهو مقول أقول أيضا ونظر فيه الحلبي من حيث أنه يؤدي إلى أن يصير التقدير ولا أقول لكم لا أعلم الغيب وليس بصحيح وأجيب بأن التقدير ولا أقول لكم أعلم الغيب باضمار القول بين لا وأعلم لا بين الواو ولا وقيل : لا في لا أعلم م مزيد مؤكد للنفي .
وقال ابو حيان : الظاهر أنه عطف على لا أقول لا معمول له فهو أمر أن يخبر عن نفسه بهذه الجمل فهي معمولة للأمر الذي هو قل وتعقب بأنه لا فائدة في الاخبار بأني لا أعلم الغيب وإنما الفائدة في الاخبار بأني لا أقول ذلك ليكون نفيا لادعاء الامرين اللذين هما من خواص الالهية ليكون المعنى إني لا أدعي الالهية .
ولا أقول لكم إني ملك ولا أدعي الملكية ويكون تكرير لا أقول اشارة إلى هذا المعنى وقال بعض المحققين : أن مفهومي عندي خزائن الله وإني ملك لما كان حالهما معلوما عند الناس لم يكن حاجة إلى نفيهما وإنما الحاجة إلى نفي إدعائهما تبريا عن دعوى الباطل ومفهوم إني لا أعلم الغيب لما لم يكن معلوما احتيج هنا إلى نفيه فدعوى أنه لا فائدة في الاخبار بذلك منظور فيها والذي اختاره مولانا شيخ الاسلام القول الأول وأن المعنى ولا أدعي أيضا أني أعلم الغيب من أفعاله D حتى تسألوني عن وقت الساعة أو وقت أنزال العذاب أو نحوهما .
وخص ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الغيب بعاقبة ما يصيرون اليه أي لا أدعي ذلك ولا أدعي أيضا الملكية حتى تكفلوني من الافاعيل الخارقة للعادات ما لا يطيقه البشر من الرقي في السماء ونحوه أو تعدوا عدم اتصافي بصفاتهم قادحا في أمري كما ينبيء عنه قولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق وليس في الآية على هذا دليل على تفضيل الملائكة على الانبياء عليهم الصلاة والسلام فيها هو محل النزاع كما زعم الجبائي لأنها إنما وردت ردا على الكفار في قولهم ما لهذا الرسول الخ وتكليفهم له عليهم الصلاة والسلام بنحو الرقي في السماء ونحن لا ندعي تميز الانبياء على الملائكة عليهم الصلاة والسلام في عدم الأكل مثلا والقدرة على الافاعيل الخارقة كالرقي ونحوه ولا مساواتهم لهم في ذلك بل كون الملائكة متميزين عليهم عليهم الصلاة