يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء ويثاب هذا بأنواع النعيم في الجنان كلها ومن وقف مع الغير بالشرك وقف على الرب تعالى وعذب بانواع العذاب لأن الشرك ظلم عظيم ومن وقف مع الناسوت بمحبة الشهوات وقف على الملكوت وعذب بنيران الحرمان وسلط عليه زبانية الهيئات المظلمة وقرن بشياطين الأهواء المردية ومن وقف مع الافعال وقف على الجيروت وعذب بنار الطمع والرجاء ورد إلى مقام الملكوت ومن وقف مع الصفات وقف على الذوات وعذب بنار الشوق والهجران وليس هذا هو الوقوف على الرب لأن فيه حجاب الآنية وفي الوقوف على الذات معرفة الرب الموصوف بصفات اللطف والمشرك وقوف أولا على الرب فيحجب بالرد والطرد إخسئوا فيها ولا تكلمون ثم على الجبروت فيطرد بالسخط واللعن ولا يكلمهم ولا ينظر اليهم يوم القيامة ثم على الملكوت فيزجر بالغضب واللعن قيل ادخلوا أبواب جهنم ثم على النار يسجرون فيعذب بأنواع النيران أبدا فيكون وقفه على النار متأخرا على وقفه على الرب تعالى معلولا له قال تعالى : ثم الينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون وأما الواقف مع الناسوت فيوقف للحساب على الملكوت ثم على النار وقد ينجوا لعدم السخط وقد لا ينجوا لوجوده والواقف مع الافعال لا يوقف على النار أصلا بل يحاسب ويدخل الجنة واما الواقف مع الصفات فهو من الذين رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه أنتهى فتأمل فيه قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة وهي القيامة الصغرى أعني الموت حكي عن بعض الكبار أنه قيل له : إن فلان مات فجأة فقال : لا عجب إذ من لم يت فجأة مرض فجأة فمات قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها أي في حق تلك الساعة بترك العمل النافع وهم يحلون أوزارهم على ظهورهم تصوير لحالهم وما الحياة الدنيا أي الحياة الحسية فان المحسوس أدنى وأقرب من المعقول إلا لعب ولهو لا أصل له ولا حقيقة سريع الفناء والانقضاء وللدار الآخرة أي عالم الروحانيات خير للذين يتقون وهم المتجردون عن ملابي الصفات البشرية واللذات البدنية قد نعلم إنه ليحزنك لمقتضى البشرية الذين يقولون ما يقولون فانهم لا يكذبونك في الحقيقة ولكن الظالمين بآيات الله التي تجلى بها يجحدون فهو سبحانه ينتقم منهم ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا فتأس بهم وانتظر الغاية ولا مبدل لكلمات الله التي يتجلى بها لعباده فليطمئن قلبك ولا تكونن من الجاهلين الذين لا يطلعون على حكمة تفاوت الاستعدادات فتتأسف على احتجاب من احتجب وتكذيب من كذب والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل إنما يستجيب الذين يسمعون تقرير لما يفهمه الكلام السابق من أنهم لايؤمنون والاستجابة بمعنى الاجابة وكثيرا ما أجرى استفعل مجرى أفعل كاستخلص بمعنى أخلص واستوقد بمعنى أوقد إلى غير ذلك ومنه قول الغنوي : وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب ويدل على ذلك أنه قال مجيب ولم يقل : مستجيب ومنهم من فرق بين استجاب وأجاب بأن استجاب يدل على قبول والمراد بالسماع الفرد الكامل وهو سماع الفهم والتدبر بجعل ما عداه كلاسماع أي إنما يجيب دعوتك إلى الايمان الذين يسمعون ما يلقى اليهم سماع فهم وتدبر دون الموتى الذين هؤلاء منهم كقوله تعالى : إنك لا تسمع الموتى والموتى أي الكفار كما قال الحسن