ومنه البيت فان التكثير إنما فهم فيه لأن الفخر إنما يحصل بكثرة وقوع المفتخر به وذكر بعض المحققين أن الحق ما قاله ابن مالك أن اطلاق سيبويه أنها بمنزلة ربما يوجب التسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المضي والبيت دليل عليه فان الفخر يقع بترك الشجاع قرنه وقد صبغت أثوابه بدمائه في بعض الأحيان .
وقول أبي حيان ان الفخر إنما يحصل بكثرة الخ غير مسلم على إطلاقه بل هو فيما يكثر وقوعه وأما ما يندر فيفتخر بوقوعه نادرا لأن قرن الشجاع لو غلبه كثير لم يكن قرنا له لأن القرن بكسر القاف وسكون الراء المقاوم المساوي .
وفي القاموس القرن كفؤك في الشجاعة أو أعم فلفظه يقتضي بحسب دقيق النظر أنه لا يغلبه إلا قليلا وإلا لم يكن قرنا ويتناقض أول الكلام وآخره وادعى الطيبي أن لفظ قد للتقليل وقد يراد به في بعض المواضع ضده وهو من باب استعارة أحد الضدين للآخر والنكتة هنا تصبير رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أذى قومه وتكذيبهم يعني من حقك وأنت سيد أولى العزم أن لا تكثر الشكوى من أذى قومك وأن لا يعلم الله تعالى من اظهارك الشكوى إلا قليلا وأن يكون تهكما بالمكذبين وتوبيخا لهم .
ونص بعضهم على أن قد هنا للتقليل على معنى أن ما هم فيه أقل معلوماته تعالى وضمير إنه للشأن وهو اسم إن وخبرها الجملة المفسرة له والموصول فاعل يحزنك وعائده محذوف أي الذي يقوله وهو ما حكي عنهم من قولهم إن هذا إلا أساطير الأولين أو هو وما يعمه وغيره من هذيانهم وجملة انه الخ سادة مسد مفعولي يعلم .
وقرأ نافع ليحزنك من أحزن المنقول من حزن اللازم وقوله سبحانه : فانهم لا يكذبونك تعليل لما يشعر به الكلام السابق من النهي عن الاعتداد بما قالوا بطريق التسلي بما يفيده من بلوغه صلى الله تعالى عليه وسلم في جلالة القدر ورفعة الشأن غاية ليس وراءها غاية حيث نفى تكذيبهم قاتلهم الله تعالى عنه صلى الله تعالى عليه وسلم وأثبته لآياته تعالى على طريقة قوله سبحانه وتعالى : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ايذانا بكمال القرب واضمحلال شؤونه صلى الله تعالى عليه وسلم في شأن الله D وفيه أيضا استعظام لجنايتهم منبيء عن عظم عقوبتهم كأنه قيل : لا تعتد به وكله إلى الله تعالى فانهم في تكذيبهم ذلك لا يكذبونك في احقيقة ولكن الظألمين بآيات الله يجحدون .
33 .
- أي ولكنهم بآياته تعالى يكذبون فوضع المظهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالرسوخ في الظلم الذي جحودهم هذا فن من فنونه وقيل : إن كان المراد من الظلم مطلقة فالوضع للاشارة إلى أن ذلك دأبهم وديدنهم وانه علة الجحود لأن التعليق بالمشتق يفيد علية المأخذ وان أريد به الظلم المخصوص فهو عين الجحد وواقع به نحو ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فيكون المبتدأ مشيرا إلى وجه بناء الخبر كقوله : ان الذي سمك السماء بنا لنا بيتا دعائمه اعز وأطول وقيل : ان أل في الظألمين إن كانت موصولة واسم الفاعل بمعنى الحدوث أفاد الكلام سببية الجحد للظلم وان كانت حرف تعريف واسم الفاعل بمعنى الثبوت أفاد سببية الظلم للجحد لا يخفى ما فيه والالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة واستعظاما لما قدموا عليه وايراد الجحود في مورد التكذيب للايذان بان آياته سبحانه من الوضوح بحيث يشاهد صدقها كل أحد وأن من ينكرها فانما ينكرها بطريق الجحود وهو كالجحد نفي ما في القلب ثباته أو اثبات ما في القلب نفيه والباء متعلق بيجحدون والجحد يتعدى بنفسه والباء فيقال جحده حقه وبحقه وهو الذي يقتضيه ظاهر كلام الجوهري والراغب وقيل انه إنما يتعدى بنفسه والباء