تقديم اللعب على اللهو حيث جمعا كما هنا وتأخيره عنه كما في العنكبوت بأنه لما كان هذا الكلام مسوقا للرد على الكفرة فيما يزعمونه من إنكار الآخرة والحصر السابق وليس في اعتقادهم لجهلهم إلأ ما عجل من المسرة بزخرف الدنيا الفانية قدم اللعب الدال على ذلك وتمم باللهو أو لما طلبوا الفرح بها كان وكان مطمح نظرهم وصرف الهم لازم وتابع له قدم ما قدم أو لما أقبلوا على الباطل في أكثر أقوالهم وافعالهم قدم ما يدل على ذلك أو لما كان التقديم مقدما على الترك والنسيان قدم اللعب على اللهو رعية الترتيب الخارجي وأما في العنكبوت فالمقام لذكر قصر مدة الحياة الدنيا بالقياس إلى الآخرة وتحقيرها بالنسبة اليها ولذا ذكر اسم الاشارة المشعر بالتحقير وعقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى : إن الدار الآخرة لهي الحيوان والاشتغال باللهو مما يقصر به الزمان وهو أدخل من اللعب فيه وايام السرور فصاروا كما قال : وليلة أحدى الليالي الزهر لم تك غير شفق وفجر وينزل على هدا الوجوه في الفرق وتفصيله في الدرة قاله مولانا شهاب الدين فليفهم وللدار الآخرة التي هي محل الحياة الأخرى خير للذين يتقون الكفر والمعاصي لخلوص منافعها عن المضار والآلام وسلامة لذاتها عن الأنصرام أفلا تعقولن .
23 .
- ذلك حتى تتقوا ما أنتم عليه من الكفر والعصيان والفاء للعطف على محذوف أي أتغفلون أو ألا تتفكرون فلا تعقلون وكان الظاهر أن يقال كما قال الطيبي وما الدار الآخرة إلا جد وحق لمكان وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو إلا أنه وضع خير للذين يتقون موضع ذلك اقامة للمسبب مقام السبب وقال في الكشف : إن في ذلك دليلا على أن ما عدا أعمال المتقين لعب ولهو لأنه لما جعل الدار الآخرة في مقابلة الحياة الدنيا وحكم على الاعمال المقابل بانها لعب ولهو علم تقابل العملين حسب تقابل ما أضيفا اليه أعني الدنيا وأةخرة فاذا خص الخيرية بالمتقين لزم منه أن ما عدا أعمالهم ليس من أعمال الآخرة في شيء فهو لعب ولهو لا يعقب منفعة .
وقرأ ابن عامر ولدار الآخرة بالاضافة وهي من اضافة الصفة إلى الموصوف وقد جوزها الكوفيون ومن لم يجوز ذلك تأوله بتقدير ولدار النشأة الآخرة أو اجراء الصفة مجرى الأسم وقرأ ابن كثير وغيره يعقلون بالياء والضمير للكفار القائلين إن هي إلا حياتنا الدنيا وقيل : للمتقين والاستفهام للتنبيه والحث على التأمل .
قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون استئناف مسوق لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الحزن الذي يعتريه E مما حكي عن الكفرة من الاصرار على التكذيب والمبالغة وكلمة قد للتكثير وهو كما قال الحلبي رادا به اعتراض أبي حيان راجع إلى متعلقات العلم لا العلم نفسه إذ صفة القديم لا تقبل الزيادة والتكثير وإلا لزم حدوثها المستلزم لحدوث من قامت به سبحانه وتعالى وقال السفاقسي : قد تصح الكثرة باعتبار المعلومات وما في حيز العلم هنا كثير بناء على أن العفل المذكور دال على الاستمرار التجددي وأنشدوا على افادتها ذلك بقول الهذلي : قد أترك القرن مصفرا أنامله كأن أثوابه مجت بفرصاد وادعى أبو حيان أن افادتها للتكثير قول غير مشهور للنحاة وإن قال به بعضهم وكلام سيبويه حيث قال : وتكون قد بمنزلة ربما ليس نصا في ذلك وما استشهدوا به على دعواهم إنما فهم التكثير فيه من سياق الكلام