ههنا لتضمينه معنى التكذيب وأيا ما كان فتقديم الجار و المجرور مراعاة لرؤوس الآي أو للقصر ونقل الطبرسي عن أبي على أن الجار متعلق بالظالمين وفيه خفاء وما ذكر من أن الفاء لتعليل ما يشعر به الكلام هو الذي قرره بعض المحققين وقيل انها تعليل لقوله سبحانه قد نعلم الخ بناء على أن معناه لا تحزن كما يقال في مقام المنع والزجر : نعلم ما تفعل فكأنه قيل : لا تحزن مما يقولون فان التكذيب في الحقيقة لي وأنا الحليم الصبور فتخلق بأخلاقي ويحتمل أن يكون المعنى إنه يحزنك قولهم لأنه تكذيب لي فانت لم تحزن لنفسك بل لما هو أهم واعظم ولا يخفى أن هذا خلاف المتبادر وقيل معنى اةية فانهم لا يكذبونك بقلوبهم ولكنهم يجحدون بالسنتهم وروي ذلك عن قتادة وغيره ويؤيده ما رواه السدي أنه التقى الأخنس ابن شريق وابو جهل فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد صلى الله عليه وسلّم أصادق هو أم كاذب فانه ليس ههنا أحد يسمع كلامك غيري فقال أبو جهل والله إن محمدا A لصادق وما كذب محمد E قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فأنزل الله تعالى هذه الآية وكذا ما أخرجه الواحدي عند مقاتل قال كان الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب يكذب النبي A في العلانية فاذا خلا مع أهل بيته قال ما محمد A من أهل الكذب ولا أحسبه الا صادقا فانزل الله تعالى الآية وقيل : المعنى أنهم ليس قصدهم تكذيبك لأنك عندهم موسوم بالصدق وإنما يقصدون تكذيبي والجحود بآياتي ونسب هذا إلى الكسائي وأيد بما أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه عن علي كرم الله تعالى وجهه أن ابا جهل كان يقول للنبي A ما نكذبك وإنك عندنا لصادق ولكنا نكذب ما جئتنا به فنزلت وكذا أخرج الواحدي عن أبي ميسرة واعترض الرضى هذا القول بأنه لا يجوز أن يصدقوه A في نفسه ويكذبوا ما أتى به لأن من المعلوم أنه E كان يشهد بصحة ما أتى به وصدقه وأنه الدين القيم والحق الذي لا يجوز العدول عنه فكيف يجوز أن يكون صادقا في خبره ويكون الذي أتى به فاسدا بل إن كان صادقا فالذي أتي به صحيح وإن كان الذي أتى به فاسدا فلابد أن يكون كاذبا فيه وقال مولانا سنان إن حاصل المعنى انهم لا يكذبونك في نفس الأمر لأنهم يقولون إنك صادق ولكن يتوهمون أنه اعترى عقلك وحاشاك نوع خلل فخيل اليك أنك نبي وليس الأمر بذاك وما جئت به ليس بحق وقال الطيبي : مرادهم إنك لا تكذب لانك الصادق الأمين ولكن ما جئت به سحر ويعلم من هذا الجواب عن اعتراض الرضى فتدبر وقيل : معنى الآية أنهم لا يكذبونك فيما وافق كتبهم وإن كذبوك في غيره وقيل : المعنى لا يكذبك جميعهم وإن كذبك بعضهم وهم الظالمون المذكورون في هذه الآية وعلى هذا لا يكون ذكر الظالمين من وضع المظهر موضع المضمر وقيل : غير ذلك ولا يخفى ما الأليق بجزالة التنزيل .
وقرأ نافع والكسائي والاعمش عن أبي بكر لايكذبونك من الأكذاب وهي قراءة علي كرم الله تعالى وجهه ورويت أيضا عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه فقال الجمهور كلاهما بمعنى كأكثر وكثر وأنزل ونزل وقيل : معنى أكذوبته وجدته كاذبا كاحمدته بمعنى وجدته محمودا ونقل أحمد بن يحيى عن الكسائي أن العرب تقول كذبت بالتشديد إذا نسبت الكذب اليه وأكذبته إذا نسبت الكذب إلى ما جاء به دونه وقوله تعالى : ولقد كذبت رسل من قبلك تسلية اثر تسلية لرسول الله A فان عموم البلوى ربمايهونها بعض تهوين