اليوم يومان مذ غيبت عن نظري نفسي فداؤك ما ذنبي فاعتذر وكأن المقتضى لنظمه في هذا السلك افادة المبالغة المناسبة لمقام المغازلة واختار بعضهم كونه ابتداء كلام بمعنى كونه مقطوعا عما في حيز التمني معطوفا عليه عطف اخبار على انشاء ومن النحاة من جوزه مطلقا ونقله ابو حيان عن سيبويه وجوز أن يكون داخلا في حكم التمني على أنه عطف على نرد أو حال من الضمير فيه فالمعنى كما قال الشهاب على تمني مجموع الأمرين الرد وعدم التكذيب أي التصديق الحاصل بعد الرد إلى الدنيا لأن الرد ليس مقصودا بالذات هنا وكونه متمنى ظاهر لعدم حصوله حال التمني وإن كان التمني منصبا على الايمان والتصديق فتمنيه لأن الحاصل الآن لا ينفعهم لأنهم ليسوا في دار تكليف فتمنوا إيمانا ينفعهم وهو إنما يكون بعد الرد المحال والمتوقف على المحال محال وقرأ ابن عامر برفع الأول ونب الثاني على ما علمت آنفا والجوابية اما بالنظر إلى المجموع أو بالنظر إلى الثاني وعدم التكذيب بالآيات مغاير للايمان والتصديق فلا اتحاد .
وقريء شاذا بعكس هذه القراءة بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل اضراب عما يؤذن به تمنيهم من الوعد بتصديق الآيات والايمان بها أي ليس ذلك عن عزم صحيح ناشيء عن رغبة في الايمان وشوق إلى تحصيله والاتصاف به بل لأنه بدا وظهر لهم في وقوفهم ذلك ما كانوا يخفونه في الدنيا من ثالثة الأثافي والداهية الدهياء فلشدة هول ذلك ومزيد ضجرهم منه قالوا ما قالوا فالمراد من الموصول النار على ما يقتضيه السوق ومن اخفائها ستر أمرها وذلك بانكار تحققها وعدم الايمان بثبوتها أصلا فكأنه قيل : بل بدالهم ما كانوا يكذبون به في الدنيا وينكرون تحققه .
وإنما لم يصرح سبحانه بالتكذيب كما في قوله عز شأنه : هذه جهنم الذي يكذب بها المجرمون وقوله عز من قائل : هذه النار التي كنتم بها تكذبون مع أن ذلك أنسب بما قبل من قولهم : لانكذب بآيات ربنا مراعات لما في مقابله من البدو في الجملة مع مافي ذلك من الرمز الخفي إلى أن تكذيبهم هذا لم يكن في محله رأسا لقوة الدليل وقيل : المراد بما كانوا يخفونه قبائحهم من غير الشرك التي كانوا يكتمونها عن الناس فتظهر في صحفهم وبشهادة جوارحهم عليهم وقيل : المراد به الشرك الذي أنكروه في بعض مواقف القيامة بقولهم : والله ربنا ما كنا مشركين وقيل : المراد به أمر البعث والنشور والضمير المرفوع لرؤساء الكفار والمجرور لأتباعهم أي ظهر للتابعين ما كان الرؤساء المتبوعون يخفونه في الدنيا عنهم من أمر البعث والنشور ونسب إلى الحسن واختاره الزجاج .
وقيل : الآية في المنافقين والضمير المرفوع لهم والمجرور للمؤمنين والمراد بالموصول الكفر أي بل ظهر للمؤمنين ما كان المنافقون يخفونه من الكفر ويكتمونه عنهم في الدنيا وقيل : هي في أهل الكتاب مطلقا أو علمائهم والذي أخفوه نبوة خاتم الرسل صلى الله تعالى عليه وسلم والضمير أن المرفوع والمجرور لهم وللمؤمنين أو للخواص والعوام وتعقب كل ذلك بأنه بعد الاغضاء عما فيه من الاعتساف لا سبيل اليه هنا لأن سوق النظم الجليل لتهويل أمر النار وتفظيع حال أهلها وقد ذكر وقوفهم عليها وأشير إلى أنه اعتراهم عند ذلك من الخوف والخشية والحيرة والدهشة ما لا يحيط به الوصف ورتب عليهم تمنيهم المذكور بالفاء القاضبة بسببية ما قبلها لما بعدها فاسقاط النار بعد ذلك من السببية وهي في نفسها أدهى الدواهي وأزجر الزواجر إلى مادونها في ذلك مع عدم جريان ذكره ثمة أمر ينبغي تنزيه ساحة التنزيل عن امثاله ونقل عن المبرد أن الكلام