عنه الجملة السابقة حاروا ودهشوا فلم يستطيعوا الجواب الا بعد زمان ومما ينبيء على دهشتهم وحيرتهم أنهم كذبوا وحلفوا في كلامهم هذا ولو لم يكونوا حيارى مدهوشين لما قالوا الذي قالوا لأن الحقائق تنكشف يوم القيامة فاذا اطلع أهلها عليها وعلى أنها لا تخفى عليه سبحانه وأنه لا منفعة لهم في مثل ذلك استحال صدوره عنهم .
وللغفلة عن بناء الأمر عن الدهشة والحيرة منع الجبائي والقاضي ومن وافقهما جواز الكذب على أهل القيامة مستدلين بما ذكرنا وأجابو عن الآية بأن المعنى ما كنا مشركين في اعتقادنا وظنوننا وذلك لآنهم كانوا يعتقدون في أنفسهم أنهم موحدون متباعدون عن الشرك واعترضوا على أنفسهم بأنهم على هذا التقدير يكونون صادقين فيما اخبروا فلم قال سبحانه : أنظر كيف كذبوا أي في قولهم ما كنا مشركين وأجابوا بأنه ليس المراد انهم كذبوا في الآخرة بل المراد أنظر كيف كذبوا على أنفسهم في الدنيا ورد بأن الآية لا تدل على هذا المعنى بوجه ولا تنطبق عليه لأنها في شان خسرهم وأمرهم في الآخرة لا في الدنيا بل تنبو عنه أشد نبو لأن اول النظم الكريم وآخره في ذلك فتخلل بيان حالهم في الدنيا تفكيك له وتعسف جدا ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور أيضا قوله تعالى : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء إلا إنهم هم الكاذبون بعد قوله سبحانه : ويحلفون على الكذب وهم يعلمون حيث شبه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا ويشير إلى هذا التشبيه أيضا الامر بالنظر كما لا يخفى على من نظر .
وذكر ابن المنير أن في الآية دليلا بينا على أن الاخبار بالشيء على خلاف ما هو به كذب وإن لم يعلم المخبر مخالفة خبره لمخبره ألا تراه سبحانه جعل أخبارهم وتبرأهم كذبا مع أنه جل شأنه أخبر عنهم بقوله تعالى : وضل عنهم ما كانوا يفترون .
42 .
- أي سلبوا علمه حينئذ دهشا وحيرة فلم يرفع ذلك إطلاق الكذب عليهم وأنت تعلم أن تفسير هذه الجملة بما ذكر غير ظأهر والمروي عن الحسن أن ما موصولة والمراد بها الأصنام التي كانوا يعبدونها ويقولون فيها : هؤلاء شفعاؤنا عند الله أو نحو ذلك وأيقاع الافتراء عليها مع أنه في الحقيقة واقع على أحوالها للمبالغة في امرها كأنها نفس المفترى أي لا زالت وذهبت عنهم أوثانهم التي يفترون فيها ما يفترون فلم تغن عنهم من الله شيئا وقيل : إن ما مصدرية أي ضل افترائهم كقوله سبحانه ضل سعيهم أي لم ينفعهم ذلك والجملة قيل : مستأنفة وقيل : واختاره شيخ الاسلام انها عطف على كذبوا داخل معه في حكم التعجب إذ الاستفهام السابق المعلق لا نظر لذلك وجعل المعنى على احتمال الموصول والمصدرية انظر كيف كذبوا باليمين الفاجرة المغلظة على أنفسهم بانكار صدور ما صدر عنهم وكيف ضل عنهم أي زال وذهب افتراؤهم أو ما كانوا يفترونه من الاشارك حتى نفوا صدوره عنهم بالكلية وتبرؤا بالمرة .
ومنهم من يستمع اليك كلام مسوق لحكاية ما صدر في الدنيا عن بعض المشركين من أحكام الكفر ثم بيان ما سيصدر عنهم يوم الحشر تقريرا لما قبله وتحقيقا لمضمونه وضمير منهم للذين اشركوا والاستماع بمعنى الاصغاء وهو لازم يعدى باللام وإلى ما صرح به أهل اللغة وقيل : إنه مضمن معنى الاصغاء ومفعوله مقدر وهو القرآن قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية ابي صالح : إن أبا سفيان بن حرب والوليد ابن المغيرة والنضر بن الحرث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبيا بن خلف استموعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم