مع اختصاص الموجود باطلاق الشيء دون اللاشيء وانكار أهل اللغة على من يقول : الموجود ليس بشيء لكونه سلبا للأعم عن الأخص وهو لا يصح لكونهما مترادفين أو متساويين وقد اطلق على المعدوم الخارجي كتابا وسنة فقد قال الله تعالى : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وقال سبحانه : إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول كن فيكون .
وأخرج الطبراني ن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد سأله رجل فقال : إني لأحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبط أجري يقول : لا يلقىي ذلك الكلام إلا مؤمنونحوه عن معاذ بن جبل والأصل في الاطلاق الحقيقة فلا يعدل عنها إلا إذا وجد صارف وشيوع الاستعمال لا يصلح أن يكون صارفا بعد صحة النقل عن سيبويه ولعل سبب ذلك الشيوع أن تعلق الغرض في المحاورات بأحوال الموجودات أكثر لا لاختصاص الشيء بالموجود لغة .
وقوله تعالى ولقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا إنما يلزم منه نفي إطلاقه بطريق الحقيقة على المعدوم وهو يضرنا لو كان المدعي تخصيص إطلاق الشيء لغة وليس كذلك فان التحقيق عندنا أن الشيء بمعنى المشيء العلم به والاخبار عنه وهو مفهوم كلي يصدق على الموجود والمعدوم الواجب والممكن وتخصيص إطلاقه ببعض أفراده عند قيام قرينة لا ينافي شموله لجميع أفراده حقيقة لغوية عند انتفاء قرينة مخصصة وإلا لكان شموله المعدوم والموجود معا في قوله تعالى : والله بكل شيء عليم جمعا بين الحقيقة والمجاز وهي مسألة خلافية ولا خلاف في الاستدلال على عموم تعلق علمه تعالى بالاشياء مطلقا بهذه الآية فهو دليل على أن شموله للمعدوم والموجود معا حقيقة لغوية وذكر بعض الأجلة بعد زعمه اختصاص الشيء بالموجود أنه في الأصل مصدر استعمل بمعنى شاء أو مشيء فان كان بمعنى شاء صح إطلاقه عليه تعالى وإلا فلا .
وأنت تعلم أنه على ما ذكرنا من التحقيق لا مانع من اطلاق الشيء عليه تعالى من غير حاجة إلى هذا التفصيل لأنه بمعنى المشيء العلم به والاخبار عنه فيكون إطلاق الشيء بهذا المعنى عليه D كاطلاق المعلوم مثلا ومعنى أكبر شهادة أعظم وأصدق قل الله أمر له A أن يتولى الجواب بنفسه بنفسي هو E لما مر قريبا والاسم الجليل مبتدأ محذوف الخبر أي الله أكبر شهادة وجوز العكس .
ومذهب سيبويه أنه إذا كانت النكرة اسم استفهام أو أفعل تفضيل تقع مبتدأ يخبر عنه بمعرفة وقوله سبحانه : شهيد خبر مبتدأ محذوف أي هو سبحانه شهيد بيني وبينكم فهو ابتداء كلام وجوز أن يكون خبر الله والمجموع على ما ذهب اليه الزمخشري هو الجواب لدلالته على أن الله D إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له ونقل في الكشف أنه إن جعل تمام الجواب عند قوله سبحانه : الله فهو للتسلق من إثبات التوحيد إلى إثبات النبوة بأن هذا الشاهد الذي لا أصدق منه شهد لي بايحاء هذا القرآن وإن جعل الكلام بمجموعه الجواب فهو من الأسلوب الحكيم لأن الوهم لا يذهب إلى أن هذا الشاهد يحتمل أن يكون غيره تعالى بل الكلام في أنه يشهد لنبوته أو لا فليفهم وأوحى إلي من قبله تعالى هذا القرآن العظيم الشاهد بصحة رسالتي لأنذركم به بما فيه من الوعيد واكتفى بذكر الانذار عن ذكر البشارة لأنه