سلطان والذي صح أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة فقد صرحوا بأنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة وقد استقبل النبي صلى الله عليه وسلّم الكعبة في دعائه في مواطن كثيرة فمن قال : إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة فقد ابتدع في الدين وخالف جماعة المسلمين وأما ثانيا فلان القبلة ما يستقبله الداعي بوجهه كما تستقبل الكعبة في الصلاة وما حاذا الانسان برأسه أو يديه مثلا لا يسمى قبلة أصلا فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع ان يوجه الداعي وجهه اليها ولم يثبت ذلك في شرع أصلا وأما النقض بوضع الجبهة فما أفسده من نقض فان واضع الجبهة إنما قصده الخضوع لمن فوقه بالذل لأن أن يميل اليه إذ هو تحته بل هذا لا يخطر في قلب ساجد نعم سمع عن بشر المريسي أنه يقول : سبحان ربي الاسفل تعالى الله سبحانه عما يقول الجاحون والطالمون علوا كبيرا .
وتأول بعضهم كل نص فيه نسبة الفوقية اليه تعالى بأن فوق فيه بمعنى خير وأفضل كما يقال : الأمير فوق الوزير والدينار فوق الدرهم وأنت تعلم أن هذا مما تنفر منه العقول السليمة وتشمئز منه القلوب الصحيحة فان قول القائل ابتداء : الله تعالى خير من عباده أو خير من عرشه من جنس قوله الثلج بارد والنار حارة والشمس أضوأ من السراج والسماء اعلى من سقف الدار ونحو ذلك وليس في ذلك أيضا تمجد ولا تعظيم لله تعالى بل هو من أرذل الكلام فكيف يليق حمل الكلام المجيد عليه وهو الذي لو اجتمع الانس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا على أن في ذلك تنقيصا لله تعالى شأنه ففي المثل السائر : ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف خير من العصا نعم إذا كان المقام يقتضي ذلك بأن كان احتجاجا على مبطل كما في قول يوسف الصديق عليه السلام : أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار وقوله تعالى : آلله خير أم ما يشركون والله خير وأبقى فهو أمر لا اعتراض عليه ولا توجه سهام الطعن اليه والفوقية بمعنى الفوقية في الفضل مما يثبتها السلف لله تعالى أيضا وهي متحققة في ضمن الفوقية المطلقة وكذا يثبتون فوقية القهر والغلبة كما يثبتون فوقية الذات ويؤمنون بجميع ذلك على الوجه اللائق بجلال ذاته وكمال صفاته سبحانه وتعالى منزهين له سبحانه عما يلزم ذلك مما يستحيل عليه جل شأنه ولا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ولا يعدلون عن الالفاظ الشرعية نفيا ولا اثباتا لئلا يثبتوا معنى فاسدا أو ينفوا معنى صحيحا فهم يثبتون الفوقية كما أثبتها الله تعالى لنفسه وأما لفظ الجهة فقد يراد به ماهو موجود وقد يراد به ماهو معدوم ومن المعلوم أنه لا موجود الا الخالق والمخلوق فاذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله تعالى كان مخلوقا والله تعالى لا يحصره شيء ولا يحيط به شيء من المخلوقات تعالى عن ذلك وإن أريد بالجهة أمر عدمي وهو ما فوق العالم فليس هناك إلا الله تعالى وحده فاذا قيل : إنه تعالى في جهة بهذا الاعتبار فهو صحيح عندهم ومعنى ذلك أنه فوق العالم فليس هناك إلا الله تعالى وحده فاذا قيل : إنه تعالى في جهة بهذا الاعتبار فهو صحيح عندهم ومعنى ذلك أنه فوق العالم حيث انتهت المخلوقات ونفاة لفظ الجهة الذين يريدون بذلك نفي العلو يذكرون من أدلتهم أن الجهات كلها مخلوقة وأنه سبحانه كان قبل الجهات وأنه من قال : إنه تعالى في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم وأنه جل شأنه كان مستغنيا عن الجهة ثم صار فيها وهذه الألفاظ ونحوها تنزل على أنه عز اسمه ليس في شيء من المخلوقات سواء سمى جهة أم لم يسم وهو كلام حق ولكن الجهة ليست أمرا وجوديا بل هي أمر اعتباري ولا محذور في ذلك وبالجملة يجب تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين وتفويض علم ما جاء من المتشابهات اليه عز شأنه والايمان بها على الوجه الذي جاءت عليه والتأويل القريب إلى الذهن