وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما له عمل من ربه متقبل وأن الذي عادى اليهود ابن مريم رسول أتى من عند ذي العرش مرسل وأن أخا الاحقاف إذ قام فيهم يقوم بذات الله فيهم ويعدل فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : وأنا أشهد وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى حكاية عن ابليس : ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم أنه قال : لم يستطع أن يقول ومن فوقهم لأنه قد علم أن الله تعالى سبحانه من فوقهم والآيات والاخبار التي فيها التصريح بما يدل على الفوقية كقوله تعالى : تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم وإليه يصعد الكلم الطيب وبل رفعه الله اليه وتعرج الملائكة والروح إليه وقوله A فيما أخرجه مسلم : وأنت الظأهر فليس فوقك شيء كثيرة جدا وكذا كلام السلف في ذلك فمنه ما روى شيخ الاسلام ابو اسماعيل الانصاري في كتابه الفاروق بسنده إلى أبي مطيع البلخي أنه سأل أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه عمن قال : لا أعرف ربي سبحانه وتعالى في السماء أم في الأرض فقال : قد كفر لأن الله تعالى يقول الرحمن على العرش استوى وعرشه فوق سبع سموات فقال : قلت فان قال انه على العرش ولكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض فقال رضي الله تعالى عنه هو كافر لأنه أنكر آية في السماء ومن أنكر آية في السماء فقد كفر وزاد غيره لأن الله تعالى في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل اه .
وايد القول بالفوقية أيضا بأن الله تعالى لما خلق الخلق لم يخلقهم في ذاته المقدسة تعالى عن دلك فانه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد فتعين أنه خلقهم خارجا عن ذاته ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم لكان متصفا بضد ذلك لأن القابل للشيء لا يخلوا منه أو من ضده وضد الفوقية السفول وهو مذموم على الاطلاق والقول بانا لا نسلم أنه قابل للفوقية حتى يلزم من نفيها ثبوت ضدها مدفوع بانه سبحانه لو لم يكن قابلا للعلو والفوقية لم يكن له حقيقة قائمة بنفسها فمتى سلم بانه جل شأنه ذات قائم بنفسه غير مخالط للعالم وانه موجود في الخارج ليس وجوده ذهنيا فقط بل وجوده خارج الأذهان قطعا وقد علم كل العقلاء بالضرورة أن ما كان وجوده كذلك فهو إما داخل العالم وإا خارج عنه وانكار ذلك انكار ما هو أجلى البديهيات فلا يستدل بدليل على ذلك إلا كان العلم بالمباينة أظهر منه وأوضح وإذا كان صفة الفوقية صفة كال لا نقص فيها ولا يوجب القول بها مخالفة كتاب ولا سنة ولا اجماع كان نفيها عين الباطل لا سيما والطباع مفطورة على قصد جهة العلو عند التضرع إلى الله تعالى .
وذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس امام الحرمين وهو يتكلم في نفي صفة العلو ويقول : كان الله تعالى ولا عرش وهو الآن على ما كان فقال الشيخ أبو جعفر : أخبرنا يا استاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا فانه ما قال عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة فكيف تدفع هذه الضرورة عن أنفسنا قال : فلطم الامام على رأسه ونزل وأظنه قال وبكى وقال حيرني الهمداني وبعضهم تكلف الجواب عن هذا بأن هذا التوجه إلى فوق إنما هو لكون السماى قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة ثم هو أيضا منقوض بوضع الجبهة على الأرض مع أنه سبحانه ليس في جهة الأرض ولا يخفى أن هذا باطل أما أولا فلأن السماء قبلة الدعاء لم يقله أحد من سلف الأمة ولا أنزل الله تعالى به من