من غير أن يقدر على دفعه ورفعه أحد كقوله تعالى : فلا راد لفضله ويظهر من هذا ارتباط الجزاء بالشرط .
وقيل : إن الجواب محذوف تقديره فلا راد له غيره تعالى والمذكور تأكيد للجوابين لأن قدرته تعالى على كل شيء من الخير والشر تؤكد انه سبحانه وتعالى كاشف الضر وحافظ النعم ومديمها وزعم أنه لا تعلق له بالجواب الأول بل هو علة الجواب الثاني ظاهر بطلان إذ القدرة على كل شيء تؤكد كشف الضر بلا شبهة وإنكار ذلك مكابرة وأصل المس كما قال ابو حيان م تلاقي الجسمين والمراد به هنا الاصابة وجعل غير واحد الباء في بضر وفي بخير للتعدية وإن كان الفعل متعديا كأنه قيل : وإن يمسسك الله الضر وفسروا الضر بالضم بسوء الحال في لاجسم وغيره بالفتح بضد النفع وعدل عن الشر المقابل للخير إلى الضر على ما في البحر لأن الشر أعم فأتي فأتي بلفظ الأخص مع الخير الذي هو عام رعاية لجهة الرحمة وقال ابن عطية : إن مقابلة الخير بالضر مع أن مقابلة الشر وهو أخص منه من خفي الفصاحة للعدول عن قانون الضعة وطرح رداء التكلف وهو أن يقرن باخص من ضده ونحوه لكونه أوفق بالمعنى وألصق بالمقام كقوله تعالى : إن لك أن لاتجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فجيء بالجوع مع العري وبالضمأ مع الضحو وكأن الأظهر خلافه ومنه قول امريء القيس : كأني لم أركب جوادا للذة ولإم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسأل الزق الروى ولم أقل لخيلي كري كرة بعد اجفال وايضاحه أنه في الآية قرن الجوع الذي هو خلو الباطن بالعري الذي هو خلو الظاهر والظما الذي فيه حرارة الباطن بالضحى الذي فيه حرارة الظاهر وكذلك قرن امريء القيس علوه على الجواد بعلوه على الكاعب لأنهما لذتان في الاستعلاء وبذل المال في شراء الراح ببذل الأنفس في الكفاح لأن في الأول سرور الطرب وفي الثاني سرور الظفر وكذا هنا أوثر الضر لمناسبته ما قبله من الترهيب فان انتقام العظيم عظيم ثم لما ذكر الاحسان أتى بما يعم انواعه والآية من قبيل اللف والنشر فان مس الضر ناظر إلى قوله تعالى إني أخاف الخ ومس الخير ناظر إلى قوله سبحانه : من يصرف عنه الخ وهي على ما قيل داخله في حيز قل والخطاب عام لكل من يقف عليه أو لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلّم ولا نافية للجنس و كاشف اسمها و له خبرها والضمير المنفصل بدل من وضع لا كاشف أو من الضمير في الظرف ولا يجوز على ما قال أبو البقاء أن يكون مرفوعا بكاشف ولا بدلا من الضمير فيه لأنك في الحالين تعمل اسم لا ومتى أعملته في ظاهر نونته وفي هذه الآية الكريمة رد على من رجا كشف الضر من غيره سبحانه وتعالى وأمل أحدا سواه .
وفي فتوح الغيب للقطب الرباني سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله تعالى سره من كلام طويل إن من أراد السلامة في الدنيا والآخرة فعليه بالصبر والرضا وترك الشكوى إلى خلقه وانزال حوائجه بربه D ولزوم طاعته وانتظار الفرج منه سبحانه وتعالى والانقطاع اليه فحرمانه عطاء وعقوبته نعماء وبلاؤه دواء ووعده حال وقوله فعل وكل أفعاله حسنة وحكمة ومصلحة غير أنه D طوى علم المصالح عن عباده وتفرد به فليس إلا الاشتغال بالعبودية من أداء الأوامر واجتناب النواهي والتسليم في القدر وترك الاشتغال