هو المدى وأوله وآخره ما قد علمت وإنما كان ذلك عين المدى لأن فيه يظهر السراء والضراء ولهذا كان فيه الحمد وهو الثناء ولم يقيد بسراء ولا ضراء فيعمهما ويقول الشرع في حمد السراء : الحمد لله المنعم المتفضل ويقول في حمد الضراء : الحمد لله على كل حال فالحمد لله قد جاء في السراء والضراء فلهذا كان عين المدى وما من أحد في الدار الآخرة إلا هو يحمد الله تعالى ويرجو رحمته ويخاف عذابه واستمراه عليه فجعل الله تعالى عقيب الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم فالعالم بينهما لما هو عليه من محمود ومذموم وهذا شبيه بما جاء في سورة ألم نشرح وهو تنبيه عجيب منه سبحانه وتعالى لعباده ليتقوى عندهم الرجاء والطمع في رحمة الله تعالى .
وأنت إذا التفت أدنى التفات تعلم أنه مامن أثر ما آثار البطش إلا وهو مطرز برحمة الله تعالى بل ما من سعد ونحس إلا وقد خرج من مطالع أفلاك الرحمة التي أفاضت شآبيبها على القوابل حسب القابليات ومما يظهر سبق الرحمة أن كل شيء موجود مسبوق بتعلق الارادة بايجاده واخراجه من حيز العدم الذي هو معدن كل نقص ولا ريب في أن ذلك رحمة كما أنه لا ريب في سبقه نعم تنقسم الرحمة في بعض الحيثيات إلى قسمين رحمة محضة لا يشوبها شيء من النقمة كنعيم الجنة وهي الطالعة من بروج اسمه سبحانه الرحيم ولكونه صلى الله عليه وسلّم يحب دخول أمته الجنة ويكره لهم النار سماه الحق عز اسمه الرحيم في قوله سبحانه وتعالى : عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم ورحمة قد يشوبها نقمة كتأديب اولد بالضرب رحمة به وكشرب الدواء البشع وهي المشرقة من مطالع آفاق اسمه عز أسم الرحمن ولعل هذه الرحمة العامة هي المرادة في قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ثم أعلم أن سبق الرحمة الغضب يقتضي ظاهرا سبق تجليات الجمال على تجليات الجلال لأن الرحمة من الجمال والغضب من الجلال .
وذكر مولانا الشيخ عبد الكريم الجيلي قدس سره أن الجلال أسبق من الجمال فقد ورد في الحديث العظمة إزاري والكبرياء ردائي ولا أقرب من ثوب الرداء والازار إلى الشخص ثم قال : ولا يناقض هذا قوله جل شأنه : قد سبقت رحمتي غضبي فان الرحمة السابقة إنما هي بشرط العموم والعموم من الجلال وادعى أن الصفة الواحدة الجمالية إذا استوفت كمالها في الظهور أو قاربت سميت جلالا لقوة ظهور سلطان الجمال فمفهوم الرحمة من الجمال وعمومها وانتهاؤها جلال وأنت تعلم أنه إذا فسر السبق بالمعنى الذي نقله النووي عن العلماء سابقا وهو الكثرة والشمول فهو مما لا ريب في تحققه في الرحمة إذ في كل غضب رحمة وليس في كل رحمة غضب كما لا يخفى على من حقق النظر .
وبالجملة في رحمته سبحانه مطمع أي مطمع حتى أن إبليس يرجوها يوم القيامة على ما يدل عليه بعض الآثار وأحظى الناس بها إن شاء الله تعالى هذه الأمة نسأل الله تعالى لنا ولكم الحظ الأوفر منها ليجمعنكم إلى يوم القيامة الصغرى أو الكبرى لاريب فيه في نفس الأمر وإن لم يشعر به المحجوبون الذين خسروا أنفسهم باهلاكها في الشهوات واللذات الفانية فحجبوا عن الحقائق الباقية النورانية واستبدلوا بها المحسوسات الفانية الظلمانية فهم لا يؤمنون لذلك نسأل الله سبحانه وتعالى العفو والعافية في الدين والدنيا وأةخرة .
وله عطف على لله فهو داخل تحت قل على أنه احتجاج ثان على المشركين واليه ذهب غير واحد .
وقال ابو حيان : الظاهر أنه استئناف اخبار وليس مندرجا تحت الأمر أي ولله سبحانه وتعالى خاصة