هذا ومن باب الاشارة في الآيات الحمد لله الذي خلق السموات والأرض أي سموات عالم الأرواح وأرض عالم الجسم ويقال : الروح سماء القلب لأن منها ينزل غيث الالهام والقلب أرضها لأنه فيه ينبت زهر الحكمة ونور المعرفة وجعل الظلمات أي وأنشأ في عالم الجسم ظلمات المراتب التي هي حجب ظلمانية للذات المقدس وأنشأ في عالم الأرواح نور العلم والادراك ويقال : الظلمات الهواجس والخواطر الباطلة والنور الالهام وقال بعضهم : الظلمات أعمال البدن والنور أحوال القلب ثم بعد ظهور ذلك الذين كفروا بربهم يعدلون غيره ويثبتون معه سبحانه وتعالى من يساويه في الوجود وهو الله الذي لا نظير له في سائر صفاته هو الذي خلقكم من طين وهو طين المادة الهيولانية ثم قضى أجلا أي حدا معينا من الزمان إذا بلغه السالك إلى ربه سبحانه وتعالى فنى فيه عز شأنه وأجل مسمى عنده وهو البقاء بعد الفناء وقيل الأجل الأول هو الذي يقتضيه الاستعداد طبعا بحسب الهوية وهو المسمى أجلا طبيعيا للشخص بالنظر إلى مزاجه الخاص وتركيبه المخصوص بلا اعتبار عارض من العوارض الزمانية ونكر لأنه من أحكام القضاء السابق الذي هو أم الكتاب وهي كلية منزهة عن التشخصات إذ محلها الروح الأول المقدس والأجل الثاني هو الأجل المقدر الزماني الذي يقع عند اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع وهو مثبت في كتاب النفس الفلكية التي هي لوح القدر ثم أنتم بعدما علمتم ذلك تمترون وتشكون في تصرفه فيكم كما يشاء وهو الله في السموات والأرض أي سواء ألوهيته بالنسبة إلى العالم العلوي والسفلي يعلم سركم في عالم الأرواح وهو عالم الغيب وجهركم في عالم الأجسام وهو عالم الشهادة ويعلم ما تكسبون فيهما من العلوم والحركات والسكنات وغيرها فيجاريكم بحسبها وقيل : المعنى يعلم جولان أرواحكم في السماء لطلب معادن الأفراح وتقلب أشباحكم في الارض لطلب الوسيلة إلى مشاهدته ويعلم ما تحصلونه بذلك وما تأتيهم آية من آيات ربهم الانفسية والآفاقية إلا كانوا عنها معرضين لسوء اختيارهم وعمى أعينهم عن مشاهدة أنوار الله تعالى الساطعة على صفحات الوجود وقالوا لضعف يقينهم لولا أنزل عليه ملك فنراه لنزول شبهتنا ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر أي أمر هلاكهم لعدم قدرتهم على تحمل مشاهدته ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ليمكنهم مشاهدته قل لمن ما في السموات وألارض أي ما في العالمين قل لله ايجادا وافناء كتب على نفسه الرحم .
قال سيدي الشيخ الأكبر قدس الله سره : إن رحمة الله تعالى عامة وهي نعمة الامتنان التي تنال من غير استحقاق وهي المراد في قوله تعالى : فبما رحمة من ربك لنت لهم واليها الاشارة بالرحمن في البسملة وخاصة وهي الواجبة المرادة بقوله تعالى : فسأكتبها للذين يتقون واليها الاشارة بالرحيم فيها ويشير كلامه قدس الله تعالى سره في الفتوحات إلى أن ما في الآية هو الرحمة الخاصة ومقتضى السياق أنها الرحمة العامة .
وذكر قدس الله تعالى سره في أثناء الكلام على الرحمة وقول الله عز شأنه يوم القيامة شفعت الملائكة وشفعت النبيون والمؤمنون وبقي أرحم الراحمين ان رحمة الله تعالى سبقت غضبه كما في الخبر فهي امام الغضب فلا يزال غضب الله تعالى يجري في شأواه بالانتقام من العباد حتى ينتهي إلى آخر مداه فيجد الرحمة قد سبقته فتتناول منه العبد المغضوب عليه فتبسط عليه ويرجع الحكم لها فيه والمدى الذي يقطعه الغضب ما بين الرحمن الرحيم الذي في البسملة وبين الرحم الرحيم الذي بعد الحمد لله رب العالمين فالحمد لله رب العالمين