إلا في السر كما قال : فاوطأ جرد الخيل عقر ديارهم وحاق بهم من بأس ضربة حائق وقال الراغب : أصله حق فأبدل من أحد حرفي التضعيف حرف علة كتظننت وتظنيت أو هو مثل ذمة وذامة والمعروف في اللغة ما اختاره الزجاج .
وقال الأزهري : جعل ابو اسحاق حاق بمعنى أحاط وكأنه جعل مادته من الحوق بالضم وهو ما أحاط بالكمرة من حروفها وقد يفتح كما في القاموس وجعل أحد معاني الحوق بالفتح الأحاطة وفيه أيضا حاق به يحيق حيقا وحيوقا وحيقانا بفتح الياء أحاط به كاحاق وفيه السيف حاك وبهم الامر لزمهم ووجب عليهم ونزل وأحاق الله تعالى بهم مكرهم والحيق ما يشتمل على الانسان من مكروه فعله وظاهره أن حاق يائي وعليه غالب أهل اللغة وهو مخالف لظاهر كلام الأزهري من أنه واوي و منهم متعلق بسخروا والظمير المرسل ويقال : سخروا منه وبه كهزأ منه وبه فهما متحدان معنى واستعمالا وقيل : السخرية والاستهزاء بمعنى لكن قد يتعدى بمن والباء وفي الدر المصون لا يقال الا استهزأ به ولا يتعدى بمن وجوز أبو البقاء أن يكون الضمير للمستهزئين والجار والمجرور حينئذ متعلق بمحذؤف وقع حالا من ضمير الفاعل في سخروا ورد بأن المعنى حينئذ فحاق بالذين سخروا كائنين من المستهزئين ولا فائدة لهذه الحال لانفهامها من سخروا وأجيب بأن هذا مبني على أن الاستهزاء والسخرية بمعنى وليس بلازم فلعل من جعل الضمير للمستهزئين يجعل الاستهزاء بمعنى طلب الهزء فيصح بيانه ولا يكون في النظم تكرار فعن الراغب الاستهزاء وارتياد الهزء وان كان قد يعبر به عن تعاطي الهزء كالاستجابة في كونها ارتيادا للاجابة وان كان قد يجري مجرى الاجابة .
وجوز رجوع الضمير الى أمم الرسل ونسب الحوفي ورده ابو حيان بانه يلزم ارجاع الضمير إلى غير مذكور وأجيب عنه بانه في قوة المذكور و بالذين متعلق بحاق وتقديمه على فاعله وهو ما للمسارعة الى بيان لحوق الشر بهم وهي إما مصدرية وضمير به للرسول الذي في ضمن الرسل واما موصولة والضمير لها والكلام على حذف مضاف أي فأحاط بهم وبال الذي كانوا يستهزؤن به وقد يقال : لا حاجة إلى تقدير مضاف وفي الكلام اطلاق السبب على المسبب لأن المحيط بهم هو العذاب ونحوه لا الاستهزاء ولا المستهزأ به لكن وضع ذلك موضعه مبالغة .
وقيل : ان المراد من الذي كانوا يستهزؤن هو العذاب الذ كان الرسل يخوفونهم إياه فلا حاجة الى ارتكاب التجوز السابق أو الحذف وقد اختار ذلك الامام الواحدي والاعتراض عليه بأنه لا قرينة على ان المراد بالمستهزأ به هو العذاب بل السياق دليل على أن المستهزأ بهم الرسل عليهم الصلاة والسلام يدفعه أن الاستهزاء بالرسل عليهم الصلاة والسلام مستلزم لاستهزائهم بما جاؤا به وتوعدوا قومهم بنزوله وان مثله لظهوره لا يحتاج الى قرينة .
ومن الناس من رعم أن حاق بهم كناية عن إهلاكهم واسناده الى ما أسند اليه مجاز عقلي من قبيل اقدمني بلدك حق لي على فلان إذ من المعلوم من مذهب أهل الحق أن المهلك ليس الا الله تعالى فاسناده الى غيره لا يكون إلا مجازا وأنت تعلم أن الحيق الاحاطة ونسبتها الى العداب لا شبهة في انها حقيقة ولا داعي الى تفسيره بالاهلاك وارتكاب المجاز العقلي ولعل مراد من فسر بذلك بيان مؤدي الكلام ومجموع معناه نعم