الافعال بيانا للمراد وتوكيدا لما يفهم من الكلام وتعليق علمه سبحانه بما ذكر خاصة مع شموله لجميع من في السموات وصاحبتها لانسياق النظم الكريم إلى بيان حال المخاطبين وكذا يعتبر بيانا على تقدير اعتبار ما اشتهر به الاسم الجليل من صفات الكمال عند تعلق الجار على ما علمت فان ملاحظته من حيث المالكية الكاملة والتصرف الكامل حسبما تقدم مستتبعة لملاحظة علمه تعالى المحيط حتما .
وعلى التقادير الأخر لا مساغ كما قيل لجعله بيانا لأن ما ذكر من العلم غير معتبر في مفهوم شيء من المعبودية واختصاص اطلاق الاسم عليه تعالى وكذا مفهوم بالالوهية فكيف يكون هذا بيانا لذلك واعتبار العلم فيما صدق عليه المتوحد غير كاف في البيانية وقيل في بيانها على تقدير اعتبار المتوحد بالألوهية : إن حصر الألوهية بمعنى تدبير الخلق ومن تفرد بتدبير جميع أمور أحد لزمه معرفة جميعها حتى يتم له تدبيرها فملاحظة المتوحد بالألوهية مستتبعة لملاحظة علمه تعالى المحيط على طرز ما تقرر في ملاحظة اسمه عن اسمه من حيث المالكية الكاملة والتصرف الكامل على الوجه المتقدم .
ومن هذا يعلم اندفاع ما أورد على أحتمال تعلق الجار السابق باعتبار ملاحظة المتوحد بالألوهية من أن التوحد بها أمر لا تعلق له بمكان فلا معنى لجعله متعلقا بمكان فضلا عن جميع الأمكنة فان تدبير الخلق مما يتعلق بما في حيز الجار من الحيز وكذا بما فيه وتعقب ذلك بمنع تفسير الالوهية بما ذكر ولعل الجملة على هاتيك التقادير خبر ثالث وقد جوز غير واحد الاخبار بالجملة بعد الاخبار بالمفرد وبعضهم جعلها كذلك مطلقا والقرينة على إرادة المراد من الجملة الظرفية حينئذ عقلية وهي أن كل أحد يعلم أنه تقدس وتعالى منزه عما يقتضيه الظأهر من المكان وذلك كما في قوله تعالى : وهو معكم أينما كنتم إذ لم يردف بما يبينه وجوز أن يكون كلاما مبتدأ وهو استئناف نحوي ورجحه غير واحد لخلوه عن التكلف أو استئناف بياني ويتكلف له تقدير سؤال وقيل : إن الجملة هي خبر هو والاسم الجليل بدل منه والظرف يتعلق بيعلم ويكفي في ذلك كون المعلوم فيما ذكر لا يتوقف على كون العالم فيه ليلزم تحيزه سبحانه وتعالى المحال وهذا كما قيل كقولك : رميت الصيد في الحرم فانه صادق إذا كنت خارجه والصيد فيه .
ونقل بعض المدققين عن الامام التمرتاشي في الايمان إذا ذكر ظرف بعد فعل له فاعل كما إذا قلت : إذا ضربت في الدار أو في المسجد فان كان معا فيه في فالأمر ظاهر وإن كان الفاعل فيه دون المفعول أو بالعكس فان كان الفعل مما يظهر أثره في المفعول كالضرب والقتل والجرح فالمعتبر كون المفعول فيه وإن كان مما لا يظهر أثره فيه كالشتم فالمعتبر كون الفاعل فيه فلذا قال بعض الفقهاء : لو إن شتمته في المسجد أو رميت اليه فكذا فشرط حنثه كون الفاعل فيه وإن قال : إن ضربته في المسجد أو جرحته أو قتلته أو رميته فكذا فشرطه كون المفعول فيه وفرق بين الرميين المتعدي بالى والمتعدي بنفسه بأن الأول إرسال السهم من القوس بنية وذلك مما لا يظهر له أثر في المحل ولا يتوقف على وصول فعل الفاعل والثاني إرسال السهم أو ما يضاهيه على وجه يصل إلى المرمى اليه فيؤثر فيه ولذا عد كل منهما في قبيل وعلى هذا يشكل ما نحن فيه لأن العلم لا يظهر له أثر في المعلوم فيلزم أن يكون الكلام من قبيل شتمته في المسجد ويجيء المحال وكون العلم هنا مجازا عن المجازاة وهي مما يظهر أثرها في المفعول فيكون الكلام من قبيل إن ضربته في المسجد ويكفي المفعول فيه دون الفاعل في القلب منه شيء على أن كون المفعول هنا أعني سر المخاطبين وجهرهم في السموات مما لا وجه له