السابقة آنفا لا يلائم مساق النظم الكريم وتوجيه الاستبعاد إلى الامتراء على التفسير الأول مع أن المخاطبين جازمون بانتفاء البعث مصرون على جحوده وانكاره كما ينبيء عنه كثير من الآيات للدلالة على أن جزمهم ذلك في أقصى مراتب الاستبعاد والاستنكار .
وذكر بعض المحققين أن اةية الأولى دليل التوحيد كما أن هذه دليل البعث ووجه ذلك بأنها تدل على أنه لا يليق الثناء والتعظيم بشيء سواه D لأنه المنعم لا أحد غيره ويلزم منه أنه لا معبود ولا إله سواه بالطريق الأولى وزعم بعضهم أنها لا تدل على ذلك إلا بملاحظة برهان التمانع إذ لو قطع النظر عنه لا تدل على أكثر من وجود الصانع ومنشأ ذلك حمل الدليل على البرهان العقلي أو مقدماته التي يتألف منها أشكاله وليس ذلك باللازم ومن الناس من جعل اةية الأولى أيضا دليلا على البعث على منوال قوله تعالى : أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ولا يخفى أنه خلاف الظاهر .
وقوله سبحانه وتعالى وهو الله جملة من مبتدأ عائد إليه سبحانه كما قال الجمهور وخبر معطوفة على ما قبلها مسوقة لبيان شمول أحكام الهيته لجميع المخلوقات واحاطة علمه بتفاصيل أحوال العباد وأعمالهم المؤدية إلى الجزاء إثر الاشارة إلى تحقق المعاد في تضاعيف ما تقدم والحمل ظاهر الفائدة إذا اعتبر ما يأتي وإلا فهو على حد أنا أبو النجم وشعري شعري وقوله تعالى في السموات وفي الأرض متعلق على ما قيل بالمعنى الوصفي الذي تضمنه الاسم الجليل كما في قولك : هو حاتم في طيء على معنى الجواد .
والمعنى الذي يعتبر هنا يجوز أن يكون هو المأخوذ من اصل اشتقاق الاسم الكريم أعني المعبود أو ما أشتهر به الأسم من صفات الكمال إلا أنه يلاحظ في هذا المقام ما يقتضيه منها أو ما يدل عليه التركيب الحصري لتعريف طرفي الاسناد فيه من التوحيد والتفرد بالالوهية أو ما تقرر عند الكل من إطلاق هذا الاسم عليه تعالى خاصة فكأنه قيل : وهو المعبود فيهما أو وهو المالك والمتصرف المدبر فيهما حسبما يقتضيه المشيئة المبنية على الحكم البالغة أو وهو المتوحد بالالوهية فيهما أو وهو الذي يقال له : الله فيهما لا يشرك به شيء في هذا الاسم ومعنى ذلك مجرد ملاحظة أحد المعاني المذكورة في ضمن ذلك الاسم الجليل ويكفي مثل ذلك في تعلق الجار لا أنه يحمل لفظ الله على معناه اللغوي أو على المالك والمتصرف أو المتوحد أو يقدر القول وعلى كل تقدير يندفع ما يقال : إن الظرف لا يتعلق باسم الله تعالى لجموده ولا بكائن لأنه حينئذ يكون ظرفا لله تعالى وهو سبحانه وتعالى منزه عن المكان والزمان ومن الناس من جوز تعلقه بكائن على أنه خبر بعد خبر والكلام حينئذ من التشبيه البليغ أو كناية على رأي من لم يشترط جواز المعنى الأصلي أو استعارة تمثيلية بأن شبهت الحالة التي حصلت من إحاطة علمه سبحانه وتعالى بالسموات والارض وبما فيهما بحالة بصير تمكن في مكان ينظره وما فيه والجامع بينهما حضور ذلك عنده .
وجوز أن يكون مجازا مرسلا باستعماله في لازم معناه وهو ظاهر وأن يكون استعارة بالكتابة بأن شبه عز أسمه بمن تمكن في مكان وأثبت له من لوازمه وهو علمه به ربما فيه وليس هذا من التشبيه المحظور في شيء وعليه يكون قوله تعالى : يعلم سركم وجهركم أي ما أسررتموه وما جهرتم به من الأقوال أو منها ومن