والقول بأن المعنى حينئذ يعلم نفوسكم المفارقة الكائنة في السموات ونفوسكم المقارنة لابدانكم الكائنة في الأرض تعسف وخروج عن الظأهر على أن الخطاب حينئذ يكون للمؤمنين وقد كان فيما قبل الكافرين فتفوت المناسبة والارتباط ومثله القول بتعميم الخطاب بحيث يشمل الملائكة وظاهر أن سرهم وجهرهم في السموات .
وأجيب بأنه يمكن أن يكون جعل سر المخاطبين وجهرهم فيها لتوسيع الدائرة وتصوير أنه سبحانه وتعالى لا يعزب عن علمه شيء في أي مكان كان لا أنهما يكونان في السموات أيضا وقيل : المراد السر ما كتم عنهم من عجائب الملك وأسرار الملكوت مما لم يطلعوا عليه وبالجهر ما ظهر لهم من السموات والأرض وإضافة السر والجهر إلى ضمير المخاطبين مجازية وليس بشيء كما لا يخفى .
وجوز بعضهم أن يكون الجار متعلقا بالمصدر على سبيل التنازع واعترض بأن معمول المصدر لا يتقدم عليه ويلزم أيضا التنازع مع تقدم المعمول وأجيب بأن منهم من يجوز التنازع مع تقدم المعمول ومن يقول : بجواز تقديم الظرف على المصدر لتوسعهم فيه ما لم يتوسع في غيره ونقل عن ابن هشام أنه قال : إنما يمتنع تقدم متعلق المصدر إذا قدر بحرف مصدري وفعل وهذا ليس كذلك فليس مما منعوه وقال مولانا صدر الدين : يرد على منع تعلق الجار بالمصدر المتأخر تعلقه بإله في قوله تعالى : وهو الذي في السماء إله مع أن إلها مصدر وصرح بتعلقه به غير واحد فان أول بالصفة مثل المعبود فليؤول السر والجهر بالخفى والظاهر .
وعن أبي علي الفارسي أنه جعل هو ضمير الشأن و الله مبتدا خبره ما بعده والجملة خبر عن ضمير الشأن أي الشأن والقصة ذلك ويعلم ما تكسبون .
3 .
- أي ما تفعلونه لجلب نفع أو دفع ضر من الاعمال المكتسبة بالقلوب والجوارح سرا وعلانية وتخصيص ذلك بالذكر مع اندراجه فيما تقدم على تقدير تعميم السر والجهر لاظهار كما الاعتناء به لأنه مدار فلك الجزاء وهو السر في إعادة يعلم ومن الناس من غاير بين المتعاطفين بجعل العلم هنا عبارة عن جرائه وإبقائه على معناه المتبادر فيما تقدم وتفسير المكتسب بجزاء الأعمال من المثوبات والعقوبات غير ظاهر وكذا حمل السر والجهر على ما وقع والمكتسب على مالم يقع بعد .
وما تأتيهم ءاية من ءايات ربهم كلام مستأنف سيق لبيان كفرهم بآيات الله تعالى واعراضهم عنها بالكلية بعد بيان كفرهم بالله تعالى واعراضهم عن بعض آيات التوحيد وامترائهم في البعث واعراضهم عن بعض أدلته والاعراض عن خطابهم للايذان بأن اعراضهم السابق قد بلغ مبلغا اقتضى أن لا يوجهوا بكلام بل يضرب عنهم صفحا وتعدد جناياتعن لغيرهم ذما لهم وتقبيحا لحالهم فما نافية وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية كا أشار اليه العلامة البيضاوي ولله تعالى دره أو للدلالة على الاستمرار التجددي ومن الأولى مزيدة للاستغراق أو لتأكيده والثانية للتبعيض وهي متعلقة بمحذوف مجرور أو مرفوع وقع صفة لآية وجعلها ابن الحاجب للتبيين لأن كونها للتبعيض ينافي كون الأولى للاستغراق إذ الآية المستغرقة لا تكون بعضا من الآيات ورد بأن الاستغراق ههنا لآية متصفة بالاتيان فهي وإن استغرقت بعض من جميع الآيات على أن كلامه بعد لا يخلوا عن نظر .
وإضافة الآيات إلى الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترؤوا عليه في حقها