والسلام حين يقول له الرب D ما يقول ترتعد مفاصله وينفجر من أصل كل شعرة من حسده عين من دم خيفة من ربه جلت عظمته وفي بعضها أنه E يراعد خوفا ولا يفتح له باب الجواب خمسمائة عام ثم يلهمه الله تعالى الجواب بعد فيقول : سبحانك أي تنزيها لك من أن أقول ذلك أو يقال في حقك كما قدره ابن عطية : وقدره بعضهم من أن يكون لك شريك فضلا من أن يتخذ الهان من دونك وآخرون من أن تبعث رسولا يدعي الوهية غيرك ويدعو اليها ويكفر بنعمتك والاول أوفق بسياق النظم الكريم وسبحان على سائر التقادير على أحد الأقوال فيه وقد تقدمت علم للتسبيح وانتصابه على المصدرية ولا يكاد يذكر ناصبة وفيه المبالغة في التنزيه من حيث الاشتقاق في السبح وهو الابعاد في الأرض والذهاب ومن جهة النقل إلى صيغة التفعيل والعدول عن المصدر إلى الأسم الموضوع له خاصة المشير إلى الحقيقة الحاضرة الذهن واقامته مقام المصدر مع الفعل ما لا يخفى .
وقوله سبحانه : ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق استئناف مقرر للتنزيه ومبين المنزه عنه وما الثانية سواء كانت موصولة أو نكرة موصوفة مفعول أقول والمراد بها على التقديرين القول المذكور أو ما يعمه وغيره ويدخل في القول المذكور دخولا أوليا ونصب القول للمفردات نحو الجملة والكلام والشعر مما لا شك في صحته كنصبه الجمل الصريحة فلا حاجة إلى تفسير أقول بأذكر كما يتوهم واسم ليس ضمير عائد إلى ما و بحق خبره والجار والمجرور فيما بينهما للتبيين فيتعلق بمحذوف كما في سقيا لك وإيثار ليس على الفعل المنفي على ما يحق لي لظهور دلالته على استمرار انتفاء الحقية وإفادة التأكيد بما في خبره من الباء المطرد زيادتها في خبر ليس .
ومعنى ما يكون لي أي لا ينبغي ولا يليق وهو أبلغ من لم أقله فلذا أوثر عليه : والمراد لا ينبغي أن أقول قولا لا يحق لي قوله أصلا في وقت من الاوقات وجوز أبو البقاء أن يكون لي خبر ليس و بحق في موضع الحال من الضمير في الجار والعامل فيه ما فيه من معنى الاستقرار وأن يكون متعلقا بفعل محذوف على أنه مفعول له والباء للسببية أي ما ليس يثبت لي بسبب حق وأن يكون خبر ليس و لي صفة حق قدم عليه فصار حالا وهذا مخرج على رأي من أجاز تقديم حال المجرور عليه وقيل : إن لي متعلق بحق وهو الخبر وهو أيضا مبني على قول بعض النحاة المجوز تقديم صلة المجرور على الجار والجمهور على عدم الجواز ولا فرق عندهم في المنع بين أن يكون الجار زائدا أو غيره وقوله D : إن كنت قلته فقد علمته إستدلال على براءته من صدور القول المذكور عنه فان صدوره عنه مستلزم لعلمه به تعالى قطعا والعلم به منتف فينتفي الصدور ضرورة أن انتفاء اللازم مستلزم لانتفاء الملزوم واستشكلت هذه الجملة بأن المعنى على المضي هنا وأن تقلب الماضي مستقبلا وأجاب عن ذلك المبرد بأن كان قوية الدلالة على المضي حتى قيل إنها موضوعة له فقط دون الحدث وجعلوه وجها لكونها ناقصة فلا تقدر إن على تحويلها إلى الاستقبال .
وأجاب ابن السراج بأن التقدير إن أقل كنت قلته الخ وكذا يقال فيما كان من أمثال ذلك وقد نقل ذلك عثمان بن يعيش وضعفه ابن هشام في تذكرته والجمهور على أن المعنى إن صح قولي ودعواي ذلك فقد تبين علمك به تعلم ما في نفسي استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فقوله جل شأنه : ولا أعلم ما في نفسك بيان