من صدر منه فلذا قدم المسند إليه وقيل : التقديم لتقوية النسبة لأنها بعيدة عن القبول بحيث لا تتوجه نفس السامع إلى أن المقصود ظاهرها حتى يجيب على طبقه فاحتاجت إلى التقوية حتى يتوجه إليها المستفهم عنها وفيه كمال توبيخ الكفرة بنسبة هذا القول إليه وفي قوله تعالى : إتخذوني وأمي دون واتخذوني ومريم توبيخ على توبيخ كأنه قيل : أأنت قلت ما قلت مع كونك مولودا وأمك والدة والاله لا يلد ولا يولد .
وأنت تعلم أن في ندائه E على الكيفية المذكورة اشارة إلى ابطال ذلك الاتخاذ ولام للناس للتبليغ والاتخاذ اما متعد لاثنين فالياء مفعوله الاول و إلهين مفعوله الثاني واما متعد لواحد فالهين حال من المفعول و من دون الله حال من فاعل الاتخاذ أي متجاوزين الله تعالى أو صفة لالهين أي كائنين من دون الله تعالى أي غيره منضما إليه سبحانه فالله تعالى إله وهما بزعم الكفرة الهان فالمراد إتخاذهما بطريق اشراكهما معه D وهذا كما في قوله تعالى : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله إلى قوله سبحانه : سبحانه وتعالى عما يشركون وأيد ذلك بأن التوبيخ والتبكيت إنما يأتي بذلك .
وقال الراغب : إن ظاهر ذلك القول استقلالهما عليهما الصلاة والسلام بالالوهية وعدم اتخاذ الله سبحانه وتعالى معهما إلها ولابد من تأويل ذلك لأن القوم ثلثوا والعياذ بالله تعالى فأما أن يقال إن من أشرك مع الله سبحانه غيره فقد نفاه معنى لأنه جل شأنه وحده لا شريك له ويكون إقراره بالله تعالى كلا اقرار وحينئذ يكون من دون الله مجازا عن مع الله تعالى أو يقال : إن المراد بمن دون الله التوسط بينهما وبينه عز شأنه فيكون الون اشارة لقصور مرتبتهما عن مرتبته جل جلاله لأنهم قالوا : هو عز أسمه كالشمس وهما كشعاعها .
وزعم بعضهم أن المراد اتخاذهما بطريق الاستقلال ووجهه أن النصارى يعتقدون أن المعجزات التي ظهرت على يدي عيسى وأمه عليهما الصلاة والسلام لم يخلقها الله تعالى بل هما خلقاها فصح أنهم اتخذوهما في حق بعض الأشياء الهين مستقلين ولم يتخذوه الها في حق ذلك البعض ولا يخفى أن الأول كالمتعين واليه اشارة العلامة ونص على اختياره شيخ الاسلام .
واستشكلت الآية بأنه لا يعلم أن أحدا من النصارى اتخذ مريم عليها السلام الها وأجيب عنه بأجوبة الأول أنهم لما جعلوا عيسى E إلها لزمهم أن يجعلوا والدته أيضا كذلك لأن الولد من جنس من يلده فذكر الهين على طريق الالزام لهم والثاني أنهم لما عظموها تعظيم الآله أطلق عليها اسم الاله كما اطلق اسم الرب على الاحبار والرهبان في قوله تعالى : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله لما أنهم عظموهم تعظيم الرب والتثنية حينئذ على حد القلم أحد اللسانين والثالث أنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك ويعضد هذا القول ما حكاه ابو جعفر الامامي عن بعض النصارى أنه قد كان فيما مضى قوم يقال لهم : المريمية يعتقدون في مريم أنها إله وهذا كما كان في اليهود قوم يعتقدون عزيرا ابن الله عن اسمه وهو أولى الأوجه عندي وما قرره الزاعم من أن النصارى يعتقدون الخ غير مسلم في نصارى زماننا ولم ينقله أحد ممن يوثق به عنهم أصلا واظهار الاسم الجليل لكونه في حيز القول المسند إلى عيسى E .
قال استئناف مبني على سؤال نشأ من صدور الكلام وهو ظاهر وفي بعض الآثار أنه عليه الصلاة