وإظهار لقصوره عليه السلام وللنفس في كلامهم إطلاقات فتطلق على ذات الشيء وحقيقته وعلى الروح وعلى القلب وعلى الدم وعلى الارادة قيل : وعلى العين التي تصيب وعلى الغيب وعلى العقوبة ويفهم من كلام البعض أنها حقيقة في الاطلاق الأولى مجاز فيما عداه وفسر غير واحد النفس هنا بالقلب والمراد تعلم معلومي الذي أخفيه في قلبي فكيف با أعلنه ولا أعلم معلومك الذي تخفيه وسلك في ذلك مسلك المشاكلة كما في قوله : قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه قلت اطبخوا لي جبة وقميصا إلا أن ما في الآية كلا اللفظين وقع في كلام شخص واحد وما في البيت ليس كذلك وفي الدر المصون أن هذا التفسير مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وحكاه عنه ايضا في مجمع البيان وفسرها بعضهم بالذات وادعى أنه نسبتها بهذا المعنى إلى الله تعالى لا تحتاج إلى القول بالمشاكلة ومن ذلك قوله تعالى : كتب ربكم على نفسه الرحمة واصطنعتك لنفسي ويحذركم الله نفسه وقوله صلى الله عليه وسلّم : أقسم ربي على نفسه أن لا يشرب عبد خمرا ولم يتب إلى الله تعالى منه الا سقاه من شينة الخبال وقوله E : ليس أحد أحب اليه المدح من الله D ولأجل ذلك مدح نفسه وقوله A : سبحان الله عدد خلقه ورضا نفسه إلى غير ذلك من الأخبار .
وقال المحقق الشريف في شرح المفتاح وغيره : إن لفظ النفس لا يطلق عليه تعالى وأن أريد به الذات الا مشاكلة وليس بشيء لما علمت من الآيات والأحاديث وإدعاء أن ما فيها مشاكلة تقديرية كما قيل ذلك في قوله تعالى : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة لايخفي أنه من سقط المتاع فال صحيح المعول عليه جواز اطلاقها بمعنى الذات على الله تعالى من غير مشاكلة نعم قيل : أن لفظ النفس في هذه الآية وان كان بمعنى الذات لابد معه اعتبار المشاكلة لأن لا أعلم مافي ذاتك ليس بكلام مرضي فيحتاج إلى حمله على المشاكلة كله بأن يكون المراد لا أعلم معلوماتك فعبر عنه بلا أعلم ما في نفسك لوقوع التعبير عن تعلم معلومي بتعلم ما في نفسي .
وعلى ذلك حمل العلامة الثاني كلام صاحب الكشاف ولا يخفى ما فيه والتحقيق أن الآية من المشاكلة الا أنها ليست في إطلاق النفس بل في لفظ في فان مفادها بالنظر إلى ما في نفس عيسى عليه السلام الارتسام والانتقاش ولا يمكن ذلك نظرا الى الله تعالى وإلى هذا يشير كلام بعض المحققين ومنه يعلم ما في كتب الاصول من الخبط في هذا المقام وقال الراغب : يجوز أن يكون القصد الى نفي النفس عنه تعالى فكأنه قال : تعلم ما في نفسي ولا نفس لك فأعلم ما فيها كقول الشاعر : .
ولا ترى الضب بها ينجحر .
وهو على بعده مما لايحتاج اليه ومثله ما ذكره بعض الفضلاء من أن النفس الثانية هي نفس عيسى عليه السلام أيضا وإنما أضافها الى ضمير الله تعالى باعتبار كونها مخلوقة له سبحانه كأنه قال : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما فيها إنك أنت علام الغيوب .
611 .
- تقرير لمضمون الجملتين منطوقا ومفهوما لما فيه من الحص ومدلوله الاثبات فيقرر تعلم ما في نفسي لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ويلزمه النفي فيقرر لا أعلم ما في نفسك لأنه غيب أيضا ومدلول النفي أنه لا يعلم الغيب غيره تعالى شأنه .
وقوله تعالى : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به استئناف كما قال شيخ الاسلام مسوق لبيان ما صدر عنه عليه السلام قد ادرج فيه عدم صدور القول المذكور عنه على أبلغ وجه وآكده حيث حكم بانتفاء صدور جميع الاقوال