يوما فلبثوا في ذلك أربعين يوما تنزل عليهم غبا عند ارتفاع الضحى فلا تزال موضوعة يؤكل منها حتى إذا قالوا ارتفعت عنهم باذن الله تعالى إلى جو السماء وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم فأوحى الله تعالى إلى عيسى E أن اجعل رزقي لليتامى والمساكين والزمنى دون الأغنياء من الناس فلما فعل الله تعالى ذلك ارتاب بها الأغنياء وغمصوا ذلك حتى شكوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها للناس واذاعوا في أمرها القبيح والمنكر وأدرك الشيطان منهم حاجته وقذف وسواسه في قلوب المرتابين فلما علم عيسى عليه السلام ذلك منهم قال : هلكتم وإله المسيح سالتم نبيكم أن يطلب المائدة لكم إلى ربكم فلما فعل وأنزلها عليكم رحمة ورزقا وأراكم فيها الآيات والعبر كذبتم بها وشككتم فيها فأبشروا بالعذاب فانه نازل بكم أن يرحمكم الله تعالى وأوحى الله تعالى إلى عيسى E إني آخذ المكذبين بشرطي وإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فلما أمسى المرتابون وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة مع نسائهم آمنين وكان آخر الليل مسخهم الله تعالى خنازير وأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات .
واخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن عيسى E قال لبني اسرائيل : هل لكم أن تصوموا ثلاثين يوما ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم فان أجر العامل على من عمل له ففعلوا ثم قالوا : يا معلم الخير قلت لنا : إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ففعلنا ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء إلى قوله تعالى : احد من العالمين فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم وجاء عنه أن المائدة كانت تنزل عليهم حيث نزلوا وعن وهب بن منبه أن المائدة كان يقعد عليها أربعة آلاف فاذا أكلوا شيئا ابدل الله تعالى مكانه مثله فلبثوا بذلك ما شاء الله D وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم عطف على إد قال الحواريون منصوب بما نصبه من الفعل المضمر أو بمضمر مستقل معطوف على ذلك وصيغة الماضي لما مضى والمراد يقول له E : ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله يوم القيامة توبيخا للكفرة وتبكيتا لهم باقراره E على رؤوس الأشهاد بالعبودية وأمرهم بعبادته D .
وقيل : قال سبحانه له E في الدنيا وكان ذلك بعد الغروب فصلى E المغرب ثلاث ركعات شكرا لله تعالى حين خاطبه بذلك وكان الأولى لنفي الالوهية عن نفسه والثانية لنفيها عن أمه والاثلثة لاثباتها لله D فهو E أول من صلى المغرب ولا يخفى أن ما سيأتي إن شاء الله تعالى في الآيات يأبى ذلك ولا يصح أيضا خبر فيه ثم أنه ليس مدار أصل الكلام المشهور وعليه قوله تعالى أأنت فعلت هذا بآلهتنا ونحوه بل على أن المتيقن هو الاتخاذ والاستفهام لتعيين أنه بامره E أو أمر من تلقاء أنفسهم كما في قوله تعالى : أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل وقال بعض : لما كان القول قد وقع من رؤسائهم في الضلال كان مقررا كاتخاذ فالاستفهام لتعيين