ماما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط وذكر ابن شهاب أن أم ابن حذافة وأسمه عبد الله قالت له لما رجع اليها : ما سمعت قط أعق منك امنت أن تكون أمك قارفت بعض ما يقارف أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس فقال ابن حذافة : لو الحقني بعبد أسود للحقته وأخرج غير واحد عن قتادة أن هذه الآية نزلت يومئذ ووجه إتصالها بما قبلها على الرواية الأولى ظاهر جدا لما أن الكلام فيما يتعلق بالحج .
وذكر الطبرسي في ذلك ثلاث أوجه الأول أنها متصلة بقوله تعالى لعلكم تفلحون لأن من الفلاح ترك السؤال بما لاخير فيه والثاني أنها متصلة بقوله سبحانه : ما على الرسول الا البلاغ أي فانه بلغ ما فيه المصلحة فلا تسألوه عما لا يعنيكم والثالث أنها متصلة بقوله جل وعلا : والله يعلم ما تبدون وما تكتمون أي فلا تسألوا عن تلك الأشياء فتظهر سرائركم عفا الله عنها أي عن المسألة المدلول عليها بلا تسألوا .
والجملة إستئناف مسوق لبيان أن نهيهم عنها لم يكن لمجرد صيانتهم عن المساءة بل لأنها في نفسها معصية مستتبعة للمؤاخذة وقد عفا سبحانه عنها وفيه من حثهم على الجد في الانتهاء عنها ما لا يخفى أي عفا الله تعالى عن مسئلتكم السالفة حيث لم يفرض عليكم الحج في كل عام جزاء لمسئلتكم أو المراد تجاوز عن عقوبتكم الأخروية واختاره بعض المحققين وجوز غير واحد كون الجملة صفة أخرى لاشياء والضمير المجرور عائد اليها وهو الرابط على معنى لا تسألوا عن أشياء لم يكلفكم الله تعالى بها واعترض بأن هذا يقتضي أن يكون الحج قد فرض اولا ثم نسخ بطريق العفو وأن يكون ذلك معلوما للمخاطبين ضرورة أن حق الوصف أن يكون معلوم الثبوت للموصوف عند المخاطب قبل جعله وصفا له وكلاهما ضروري الانتفاء قطعا على أنه يستدعي اختصاص النهي بمسئلة الحج ونحوها مع أن النظم الكريم صريح في أنه مسوق للنهي عن السؤال عن الأشياء التي يسوءهم ابداؤها سواء كانت من قبيل الاحكام والتكاليف الموجبة لمساءتهم بانشائها وإيجابها بسبب السؤال عقوبة وتشديد كمسئلة الحج لولا عفوه تعالى عنها أو من قبيل الأمور الواقعة قبل السؤال الموجبة للمساءة بالاخبار بها كما في سبب النزول على ما أخرج ابن جرير وغيره عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو غضبان محمار وجهه حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال : أين أبي قال : في النار وفسر بعضهم العفو عنها بالكف عن بيانها والتعرض لشأنها وحينئذ يوشك أن لا يتوجه هذا الاعتراض أصلا وإلى التفسير الاول يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقد أخرج مجاهد عنه أنه كان إذا سئل عن السيء لم يجيء فيه أثر يقول : هو من العفو ثم يقرأ هذه الآية والذي ذهب إليه شيخ الإسلام عليه الرحمة هو الاستئناف لا غير لما علمت واستبعاد بعض الفضلاء ليس في محله ثم قال : إن قلت تلك الأشياء غير موجبة للمساءة البتة بل هي محتملة لإيجاب المسرة أيضا لأن إيجابها للاولى وإن كان من حيث وجودها فهي من حيث عدمها موجبة للاخرى قطعا وليست إحدى الحيثيتين محققة عند السائل وإنما غرضه من السؤال ظهورها كيف كانت بل ظهورها بحيثية إيجابها للمسرة فلم يعبر عنها بحيثية إيجابها للمساءة قلت : لتحقيق المنهي عنه كما ستعرفه مع مافيه من تأكيد النهي وتشديده لأن تلك الحيثية هي الموجبة للانتهاء لا الحيثية ولا حيثية التردد بين الايجابين فان قيل : الشرطية الثانية ناطقة بأن السؤال