ما رجع إلى الانسان من جزاء اعماله سمى به بتصور أن ماعلمه يرجع اليه كمايشير اليه قوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال شرا يره حيث لم يقل سبحانه ير جزاءه إلا أن الأكثر المتعارف استعماله فى الخير ومثله فى ذلك المثوبة واستعمالها هنا فى الشر على طريقة التهكم كقوله .
تحية بينهم ضرب وجميع .
ونصبها علىالتمييز من بشر وقيل : يجوز أن تجعل مفعولا له لأنبئكم لطلب مثوبة عند الله تعالى فى هذا الإنباء ويحتمل أن يصير سبب مخافتكم ويفضى إلى هدايتكم وعليه فالمثوبة فى المتعارف من استعمالها وهو وإن كان له وجه لكنه خلاف الظاهر وقرىء مثوبة بسكون الثاء وفتح الواو ومثلها مشورة ومشورة خلافا للحريرى فى إيجابه مشورة كمعونة وقوله سبحانه : من لعنه الله وغضب عليه خبر لمبتدأ محذوف بتقدير مضاف قبله مناسب لما أشير اليه بذلك أى دين من لعنه الله الخ أو بتقدير مضاف قبل اسم الاشارة مناسب لمن أى بشر من أهل ذلك والجملة على التقديرين استئناف وقع جوابا لسؤال نشأ من الجملة الاستفهماية كما قال الزجاج إما على حالها أو باعتبار التقدير فيها فكأنه قيل : ماالذى هو شر من ذلك فقيل : هو دين من لعنه الخ أو من الذى هو شر من أهل ذلك فقيل : هو من لعنه الله الخ وجوز ولاينبغى أن يجوز عند التأمل أن يكون بدلا من شر ولابد من تقدير مضاف أيضا على نحو ماسبق آنفا والاحتياج إليه ههنا ليخرج من كونه بدل غلط وهو لايقع فى فصيح الكلام وأما فى الوجه الأول فأظهر من أن يخفى وإذا جعل ذلك إشارة إلى الأشخاص لم يحتج الكلام إلى ذلك التقدير كما هو ظاهر ووضع الاسم الجليل موضع الضمير لتربية المهابة وإدخال الروعة وتهويل أمر اللعن وماتبعه والموصل عبارة عن أهل الكتاب حيث أبعدهم الله تعالى عن رحمته وسخط عليهم بكفرهم وانهما كهم فى المعاصى بعد وضوح الآيات وسطوع البينات وجعل منهم القردة والخنازير أى مسخ بعضهم قردة وهم أصحاب السبت وبعضهم خنازير وهم كفار مائدة عيسى عليه الصلاة السلام وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن المسخين كانا فى أصحاب السبت مسخت شبانهم قردة وشيوخهم خنازير وضمير منهم راجع إلى من باعتبار معناه كما أن الضميرين الأولين له باعتبار لفظه وكذا الضمير فى قوله سبحانه : وعبد الطاغوت فانه عطف على صلة من كما قال الزجاج وزعم الفراء أن فى الكلام موصولا محذوفا أى ومن عبد وهو معطوف على منصوب جعل أى وجعل منهم من عبد الخ ولايخفى أنه لايصلح إلا عند الكوفيين والمراد بالطاغوت عند الجبائى العجل الذى عبد اليهود وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما والحسن أنه الشيطان وقيل : الكهنة وكل من أطاعوه فى معصية الله تعالى والعبادة فيما عدا القول الأول مجاز عن الإطاعة قال شيخ الاسلام : وتقديم أوصافهم المذكورة بصدد إثبات شرية دينهم على وصفهم هذا مع أنه الأصل المستتبع لها فى الوجود وأن دلالته على شريته بالذات لأن عبادة الطاغوت عين البين البطلان ودلالتها عليها بطريق الاستدلال بشرية الآثار على شرية ما يوجبها من الاعتقاد والعمل إما للقصد إلى تبكيتهم من أول الأمر بوصفهم بما لاسبيل لهم إلى الجحود لابشريته وفظاعته ولاباتصافهم به وإما للايذان باستقلال كل من المقدم والمؤخر بالدلالة على ماذكر من الشرية ولو روعى ترتيب الوجود وقيل : من عبد الطاغوت ولعنه الله وغضب عليه الخ لربما فهم أن علية الشرية هو المجموع انتهى