وأنت تعلم أن كون الوصف أصلا غير ظاهر على ماذهب اليه الجبائى وأن كون الاتصاف باللعن والغضب مما لاسبيل لهم الى الجحود به فى حيز المنع كيف وهم يقولون : نحن أبناء وأحباؤه إلا أن يقال : إن الآثار المترتبة على ذلك الدالة عليه فى غاية الظهور بحيث يكون إنكار مدلولها مكابرة وقيل : قدم وصف اللعن والغب لأنهما صريحان فى أن القوم منقومون ومشير إلى أن ذلك الأمر عظيم وعقبهما بالجعل المذكور ليكون كالاستدلال على ذلك وأردفه بعبادة الطاغوت الدالة على شرية دينهم أتم دلالة ليتمكن فى الذهن أتم تمكن لتقدم مايشير اليها إجمالا وهذا أيضا غير ظاهر على مذهب الجبائى ولعل رعايته غير لازمة لانحطاط درجته فى هذا المقام والظاهر من عبارة شيخ الاسلام أنه بنى كلامه على هذا المذهب حيث قال بعد ماقال : والمراد من الطاغوت العجل وقيل : الكهنة وكل من أطاعوه فى معصية الله تعالى فيعم الحكم دين النصارى أيضا ويتضح وجه تأخير عبادته عن العقوبات المذكورة إذ لو قدمت عليها لزم اشتراك الفريقين فى تلك العقوبات انتهى فتدبر حقه .
وفى الآية كما قال جمع : عدة قراآت اثنتان من السبعة وماعداهما شاذ فقرأ الجمهور غير حمزة عبد على صيغة الماضى المعلوم والطاغوت بالنصب وهى القراءة التى بنى التفسير عليها وقرأ حمزة وعبد الطاغوت بفتح العين وضم الباء وفتح الدال وخفض الطاغوت على أن عبد واحد مراد به الجنس وليس بجمع لأنه لم يسمع مثله فى أبنيته بل هو صيغة مبالغة ولذا قال الزمخشرى : معناه الغلو فى العبودية وأنشد عليه قول طرفة : أبنى لبينى ان أمكم أمة وإن أباكم عبد اراد عبدا وقد ذكر مثله ابن الانبارى والزجاج فقالا : ضمت الباء للمبالغة كقولهم للفطن والحذر : فطن وحذر بضم العين فطعن أبو عبيدة والفراء فى هذه القراءة ونسبة قارئها الى الوهم وهم والنصب بالعطف على القردة والخنازير وقرىء وعبد بفتح العين وضم الباء وكسر الدال وجر الطاغوت بالإضافة والعطف على من بناءا على أنه مجرور بتقدير المضاف أو بالبدلية على ماقيل ولم يرتض .
وقرأ أبى عبدوا بضمير الجمع العائد على من باعتبار معناها والعطف مثله فى قراءة الجمهور وقرأ الحسن عباد جمع عبد وعبد بالافراد بجر الطاغوت ونصبه والجر بالاضافة والنصب إما على أن الأصل عبد بفتح الباء أو عبد بالتنوين فحذف كقوله .
ولاذاكر الله إلا قليلا .
بنصب الاسنم الجليل والعطف ظاهر وقرأ الأعمش والنخعى وأبان عبد على صيغة الماضى المجهول مع رفع الطاغوت على أنه نائب الفاعل والعطف ععلى صلة من وعائد الموصول محذوف أى عبد فيهم أو بينهم وقرأ بعض كذلك إلا أنه أنث فقرأ عبدت بتاء التأنيث الساكنة والطاغوت : يذكر ويؤنث كما مر وأمر العطف والعائد على طرز القراءة قبل .
وقرأ ابن مسعود عبد بفتح العين وضم الباء وفتح الدال مع رفع الطاغوت على الفاعلية لعبد وهو كشرف كأن العبادة صارت سجية له أو أنه بمعنى صار معبودا كأمر أى صار أميرا والعائد على الموصول على هذا أيضا محذوف وقرأ ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عبد بضم العين والباء وفتح الدال وجر الطاغوت فعن الأخفش أنه جمع عبيد جمع عبد فهو جمع الجمع أو جمع عابد كشارف وشرف أو جمع عبد كسقف وسقف أو جمع عباد ككتاب وكتب فهو جمع الجمع ايضا مثل ثمار وثمر