وحجبه عن نور الهداية فأصبح من الخاسرين لتضرره باستيلائه على العقل فان الوهم إذا انقطع عن معاضدة العقل حمل النفس على أمور تتضرر منها فبعث الله غرابا وهو غراب الحرص يبحث فى الأرض أى أرض النفس ليريه كيف يوارى سوأة أخيه وهو العقل المنقطع عن حياة الروح المشوب بالوهم والهوى المحجوب عن عالمه فى ظلمات أرض النفس قال ياويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوأة أخى بإخفائها فى ظلمة النفس فأنتفع بها فأصبح من النادمين عند ظهور الخسران وحصول الحرمان من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا لأن الواحد مشتمل على مايشتمل عليه جميع أفراد النوع وقيام النوع بالواحد كقيامه بالجميع فى الخارج ولااعتبار بالعدد فان حقيقة النوع لاتزيد بزيادة الأفراد ولاتنقص بنقصها ويقال فى جانب الأحياء مثل ذلك إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله أى أولياءهما ويسعون فى الأرض فسادا بتثبيط السالكين أن يقتلوا بسيف الخذلان أو يصلبوا بحبل الهجران على جذع الحرمان أو تقطع أيديهم عن أذيال الوصال وأرجلهم من خلاف عن الاختلاف والتردد إلى للسالكين أو ينفوا من الأرض أى أرض القربة وللائتلاف فلا يلتفت اليهم السالك ولايتوجه لهم ذلك لهم خزى وهوان فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم لعظم جنايتهم وقد جاء أن الله تعالى يغضب لأوليائه كما يغضب الليث الحرب ومن أذى وليا فقد آذنته بالمحاربة نسأل الله العفو والعافية فى الدين والدنيا والآخرة ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله لما ذكر سبحانه جزاء المحارب وعظم جنايته وأشار فى تضاعيف ذلك إلى مغفرته تعالى لمن تاب أمر المؤمنين بتقواه D فى كل مايأتون ويذرون بترك مايجب اتقاؤه من المعاصى التى من جملتها المحاربة والفساد وبفعل الطاعة التى من عدادها التوبة والاستغفار ودفع الفساد وابتغوا اليه أى اطلبوا لأنفسكم إلى ثوابه والزلفى منه الوسيلة هى فعيلة بمعنى مايتوسل به ويتقرب إلى الله D من فعل الطاعات وترك المعاصى من وسل إلى كذا أى تقرب اليه بشىء والظرف متعلق بها وقدم عليها للاهتمام وهى صفة لامصدر حتى يمتنع تقدم معمول عليه وقيل : متعلق بالفعل قبله وقيل : بمحذوف وقع حالا منها أى كائنة اليه ولعل المراد بها الاتقاء المأمور به كما يشير اليه الكلام قتادة فانه ملاك الأمر كله والذريعة لكل خير والمناجاة من كل ضمير والجملة حينئذ جارية مما قبلها مجرى البيان والتأكيد وقيل : الجملة الأولى أمر بترك المعاصى والثانية أمر بفعل الطاعات وأخرج ابن الانبارى وغيره عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن الوسيلة الحاجة وأنشد له قول عنترة : إن الرجال لهم إليك وسيلة إن يأخذوك تكحلى وتخضبى وكأن المعنى حينئذ اطلبوا متوجهين إليه حاجكم فان بيده عز شأنه مقاليد السموات والارض ولاتطلبوها متوجهين إلى غيره فتكونوا كضعيف عاذ بقرملة وفسر بعضهم الوسيلة بمنزلة فى الجنة وكونها بهذا المعنى غير ظاهر لاختصاصها بالانبياء عليهم الصلاة والسلام بناءا على ماوراه مسلم وغيره إنها منزلة فى الجنة جعلها الله تعالى لعبد من عباده وأرجو أن أكون أنا فاسألوا لى الوسيلة وكون الطلب هنا للنبى صلى الله عليه وسلّم مما لايكاد يذهب اليه ذهن سليم وعليه يمتنع تعلق الظرف بها كما لايخفى واستدل بعض الناس بهذه المشروعية الاستغاثة بالصالحين وجعلهم وسيلة بين الله تعالى وبين العباد والقسم على الله تعالى