وروى أنه كان الغمام يظلهم حر الشمس وينزل عليهم المن والسلوى وجعل معهم حجر موسى عليه السلام يتفجر منه الماء دفعا لعطشهم قيل : ويطلع بالليل عمود من نور يضىء لهم ولايطول شعرهم ولاتبلى ثيابهم كما روى عن الربيع بن أنس وكانت تشب معهم كما روى عن طاوس .
وذكر غير واحد من القصاص أنهم كانوا إذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله ولايبلى إلى غير ذلك مما ذكروه .
والعادة تبعد كثير امنه فلا يقبل إلا ماصح عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم ولقد سألت بعض أحبار اليهود عن لباس بنى إسرائيل فى التيه فقال : إنهم خرجوا من مصر ومعهم الكثير من ثياب القبط وأمتعتهم وحفظها الله تعالى لكبارهم وصغارهم فذكرت له حديث الظفر فقال لم نظفر به وأنكره فقلت له : هى فضيلة فهلا أثبتها لقومك فقال : لاأرضى بالكذب ثوبا واستشكل معاملتهم بهذه النعم مع معاقبتهم بالحيرة وأجيب بأن تلك المعاقبة من كرمه تعالى وتعذيبهم إنما كان للتأديب كما يضرب الرجل ولده مع محبته له ولايقطع عنه معروفة ولعلهم استغفروا من الكفر إذا كان قد وقع منهم وأكثر المفسرين على أن موسى وهرون عليهما السلام كانا معهم فى التيه لكن لم ينلهما من المشقة مانالهم وكان ذلك لهما روحا وسلامة كالنار لإبراهيم عليه السلام ولعل الرجلين أيضا كانا كذلك .
وروى أن هرون مات فى التيه واتهم به موسى عليهما السلام فقالوا : قتله لحبنا له فأحياه الله تعالى بتضرعه فبرأه مما يقولون وعاد إلى مضجعه ومات موسى عليه السلام بعده بسنة وقيل : بستة أشهر ونصف وقيل : بثمانية أعوام ودخل يوشع أريحاء بعده بثلاثة أشهر وقال قتادة : بشهرين وكان قد نبىء قبل بمن بقى من بنى إسرائيل ولم يبق المكلفون وقت الأمر منهم قيل ولايساعده النظم الكريم فانه بعد ماقبل دعوته عليه السلام على بنى إسرائيل وعذبهم بالتيه بعيد أن ينجو من نجا ويقدر وفاة النبيين عليهما السلام فى محل العقوبة ظاهرا وإن كان ذلك لهما منزل روح وراحة وأنت تعلم أن الأخبار بموتهما عليهما السلام بالتيه كثيرة لاسيما الاخبار بموت هرون عليه السلام ولاأرى للاستبعاد محلا ولعل ذلك أنكى لبنى اسرائيل .
وقيل : إنهما عليهما السلام لم يكونا مع بنى إسرائيل فى التيه وأن الدعاء وقد أجيب كان بالفرق بمعنى المباعدة فى المكان بالدنيا وأرى هذا القول مما لايكاد يصح فان كثيرا من الآيات كالنص فى وجود موسى عليه السلام معهم فيه كما لايخفى فلا تأس أى فلا تحزن لموتهم أو لما أصابهم فيه من الأسى وهو الحزن على القوم الفسقين .
26 .
- الذين استجيب لك فى الدعاء عليهم لفسقهم فالخطاب لموسى عليه السلام كما هو الظاهر واليه ذهب أجلة المفسرين .
وقال الزجاج : إنه النبى A والمراد بالقوم الفاسقين معاصروه عليه السلام من بنى إسرائيل كأنه قيل : هذه أفعال أسلافهم فلا تحزن أنت بسبب أفعالهم الخبيثة معك وردهم عليك فانهم ورثوا ذلك عنهم واتل عليهم عطف على مقدر تعلق به قوله تعالى : وإذ قال موسى الخ وتعلقه به قيل : من حيث أنه تمهيد لما سيأتى إن شاء الله تعالى من جنايات بنى إسرائيل بعد ماكتب عليهم ماكتب وجاءتهم الرسل بما جاءتهم به من البينات وقيل : من حيث أن فى الأول الجبن عن القتل وفى هذا الاقدام عليه مع كون كل منهما