هنا لهذه الامة وهو خلاف الظاهر جدا ولايكاد يرتكب مثله فى الكتاب المجيد لأن الخطابات السابقة واللاحقة لبنى إسرائيل فوجود خطاب فى الأثناء لغيرهم مما يخل بالنظم الكريم وكأن الداعى للقول به ظن لزوم التفضيل مع عدم دافع له سوى ذلك وقد علمت أنه من بعض الظن ياقوم أدخلوا الأرض المقدسة كرر النداء مع الاضافة التشريفية اهتماما بشأن الأمر ومبالغة فى حثهم علىالامتثال به و الأرض المقدسة هى كما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما والسدى وابن زيد بيت المقدس وقال الزجاج : دمشق وفلسطين والأردن وقال مجاهد هى أرض الطور وماحوله وعن معاذ بن جبل هى مابين الفرات وعريش مصر والتقديس التطهير ووصفت تلك الأرض بذلك إما لانها مطهرة من الشرك حيث جعلت مسكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو لأنها مطهرة من الآفات وغلبة الجبارين عليها لايخرجها عن أن تكون مقدسة أو لأنها طهرت من القحط والجوع وقيل : سميت مقدسة لأن فيها المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب .
التى كتب لكم أى قدرها وقسمها لكم أوكتب فى اللوح المحفوظ أنها تكون مسكنا لكم .
روى أن الله تعالى أمر الخليل E أن يصعد جبل لبنان فما انتهى بصره اليه فهو له ولأولاده فكانت تلك الارض مدى بصره وعن قتادة والسدى أن المعنى التى أمركم الله تعالى بدخولها وفرضه عليكم فالكتب هنا مثله فى قوله تعالى : كتب عليكم الصيام وذهب إلى الاحتمالين الأولين كثير من المفسرين والكتب على أولهما مجاز وعلى ثانيهما حقيقة وقيدوه بان آمنتم وأطعتم لقوله تعالى لهم بعد ماعصوا : فانها محرمة عليهم وقوله سبحانه : ولاترتدوا على أدبار فتنقلبوا خاسرين .
21 .
- فان ترتيب الخيبة والخسران على الارتداد يدل على اشتراط الكتب بالمجاهدة المترتبة على الإيمان قطعا والأدبار جمع دبر وهو ماخلفهم من الأماكن من مصر وغيرها والجار والمجرور حال من فاعل ترتدوا أى لاترجعوا عن مقصدكم منقلبين خوفا من الجبابرة وجوز أن يتعلق بنفس الفعل ويحتمل أن يراد بالارتداد صرف قلوبهم عما كانوا عليه من الاعتقاد صرفا غير محسوس أى لاترجعوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق بالله تعالى واليه ذهب أبو على الجبائى وقوله تعالى : فتنقلبوا إما مجزوم بالعطف وهو الأظهر وإما منصوب فى جواب النهى قال الشهاب : على أنه من قبيل لاتكفر تدخل النار وهو ممتنع خلافا للكسائى وفيه نظر لايخفى والمراد بالخسران خسران الدارين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين شديدى البطش متغلبين لاتتأتى مقاومتهم ولاتجز لهم ناصية والجبار صيغة مبالغة من جبر الثلاثى على القياس لامن أجبره على خلافه كالحساس من الاحساس وهو الذى يقهر الناس ويكرههم كائنا من كان على مايريده كائنا ماكان ومعناه فى البخل مافات اليد طولا وكان هؤلاء القوم من العمالقة بقايا قوم عاد وكانت لهم أجسام ليست لغيرهم أخرج ابن عبد الحكم فى فتوح مصر عن ابن حجيرة قال : استظل سبعون رجلا من قوم موسى عليه السلام فى قحف رجل من العمالقة وأخرج البيهقى فى شعب الايمان عن زيد بن أسلم قال : بلغنى أنه رؤيت ضبع وأولادها رابضة فى فجاج عين رجل منهم إلى غير ذلك من الأخبار وهى عندى كأخبار عوج بن عنق وهى حديث خرافة وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها بقتال غيرنا أو يسبب يخرجهم الله تعالى به فانه لاطاقة لنا باخراجهم منها وهذا امتناع عن القتال على أتم وجه