وقوله تعالى : بل أنتم بشر عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أى ليس الأمر كذلك بل أنتم بشر وإن شئت قدرت مثل هذا فى أول الكلام وجعلت الفاء عاطفة وقوله سبحانه : ممن خلق متعلق بمحذوف وقع صفة بشر أى بشر كائن من جنس من خلقه الله تعالى من غير مزية لكم عليهم .
يغفر لمن يشاء أن يغفر له من أولئك المخلوقين وهم المؤمنون به تعالى وبرسله عليهم الصلاة والسلام ويعذب من يشاء أن يعذبه وهم الذين كفروا به سبحانه وبرسله عليهم السلام مثلكم والذى دل على التخصيص قوله تعالى : إن الله لايغر أن يشرك به إن قلنا بعمومه كما هو المعروف المشهور ومن الغريب مافى شرح مسلم للنووى أنه يحتمل أن يكون مخصوصا بهذه الأمة وفيه نظر .
هذا وأورد بعض المحققين هنا إشكالا ذكر أنه قوى وهو أنه إذا كان معنى نحن أبناء الله تعالى أشياع بنيه فغاية الأمر أن يكونوا على طريقة الابن تحقيقا للتبعية لكن من أين يلزم أن يكونوا من جنس الأب كما صرح به الزمخشرى فى انتفاء فعل القبائح وانتفاء البشرية والمخلوقية ليحسن الرد عليهم بأنهم بشر ممن خلق نعم ماذكروه فى هذا المقام من استلزام المحبة عدم العصيان والمعاقبة ربما يتمشى لأن من شأن المحب أن لايعصى الحبيب ولايستحق منه المعاقبة ومن هنا قيل : تعصى الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرى فى الفعال بديع لوكان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع وفيه مناقشة لأن هذا شأن المحبين والاحباء هم المحبون وأجاب عن إشكال إثبات البشرية بأنه ليس إثباتا لمطلق البشرية ليجب أن يكون رد الدعوى بانتفائه بل هو إثبات أنهم بشر مثل سائر البشر ومن جنس سائر المخلوقين منهم العاصى والمطيع والمستحق للمغفرة والعذاب لا كما أدعوا من أنهم الأشياع المخصوصون بمزيد قرب واختصاص لايوجد فى سائر البشر ولذا وصف بشرا بقوله سبحانه ممن خلق حتى لايبعد أن يكون يغفر لمن يشاء أيضا فى موقع الصفة على حذف العائد أى لمن يشاء منهم وأما إشكال الجنسية فقيل فى جوابه : المراد أنكم لو كنتم أشياع بنى الله تعالى لكنتم على صفتهم فى ترك القبائح وعدم استحقاق العذاب لأن من شأن الأشياع والأتباع أن يكونوا على صفة المتبوعين والمتبوعون هنا هم الأبناء بالزعم ومن شأن الأبناء أن يكونوا على صفة الأب فمن شأن الأتباع أن يكونوا على صفة الأب بالواسطة وقيل : كلام من قال : يلزم أن يكونوا من جنس الأب على حذف مضاف أى لو كنتم أشياع بنى الله تعالى لكنتم من جنس أشياع الأب يعنى أهل الله تعالى الذين لايفعلون القبائح ولايستوجبون العقاب .
وفى الكشف إن قولهم : نحن أبناء الله تعالى فيه إثبات الابن وأنهم من أشياعه مستوجبون محبة الأب لذلك فينبغى أن يكون الرد مشتملا على هدم القولين فقيل : من أسندتم اليه البنوة لايصلح لها لا مكان القبيح عليه وصدوره هفوة ومؤاخذته بالزلة ودعواكم المحبة كاذبة وإلا لما عذبتم وأيضا إذا بطل أن يكون له تعالى ابن بطل أن يكونوا أشياعه وكذلك المحبة المبنية على ذلك ثم قال : وجاز أن يقال : إنه لابطال أن يكونوا أبناءا حقيقة كما يفهم من ظاهر اللفظ أو مجازا كما فسره الزمخشرى ا ه .
وأنت تعلم أن كل ماذكره ليس بشىء كما لايخفى على من له أدنى وتأمل وماذكرناه كاف فى الغرض