وليسوا عليها فى الحقيقة لعدم عملهم بموجبها ومخالفتهم لما فى الانجيل من التبشير بنبينا صلى الله عليه وسلّم وقيل : للاشارة إلى أنهم لقبوا بذلك أنفسهم على معنى أنهم أنصار الله تعالى وأفعالهم تقتضى نصرة الشيطان فيكون العدول عن الظاهر ليتصور تلك الحال فى ذهن السامع ويتقرر أنهم ادعوا نصرة الله تعالى وهم منها بمعزل ونكتة تخصيص هذا الموضع بإسناد النصرانية إلى دعواهم أنه لما كان المقصود فى هذه الآية ذمهم بنقض الميثاق المأخوذ عليهم فى نصرة الله تعالى ناسب ذلك أن يصدر الكلام بما يدل على أنهم لم ينصروا الله تعالى ولم يفوا بما واثقوا عليه من النصرة وماكان حاصل أمرهم إلا التفوه بالدعوى وقولها دون فعلها ولايخفى أن هذا مبنى على على أن وجه تسميتهم نصارى كونهم أنصار الله تعالى وهو وجه مشهور ولهذا يقال لهم أيضا : أنصار وفى غير ما موضع أن عيسى عليه السلام ولد فى سنة أربع وثلثمائة لغلبة الأسكندر فى بيت لحم من المقدس ثم سارت به أمه عليها السلام إلى مصر ولما بلغ اثنتى عشرة سنة عادت به إلى الشام فأقام ببلدة تسمى الناصرة أو نصورية وبها سميت النصارى ونسبوا إليها وقيل : إنهم جمع نصران كندامى وندمان أو جمع نصرى كمهرى ومهارى والنصرانية والنصرانة واحدة النصارى والنصرانية أيضا دينهم ويقال لهم : نصارى وأنصار وتنصر دخل فى دينهم فنسوا على إثر أخذ الميثاق حظا نصيبا وافرا مما ذكروا به فى تضاعيف الميثاق من الإيمان بالله تعالى وغير ذلك من الفرائض وقيل : هو ماكتب عليهم فى الانجيل من الإيمان بالنبى A فنبذوه وراء ظهورهم واتبعوا أهواءهم وتفرقوا إلى اثنتين وسبعين فرقة فأغرينا أى ألزمنا وألصقنا وأصله اللصوق يقال : غريت بالرجل غرى إذا لصقت به قاله الأصمعى وقال غيره : غريت به غراءا بالمد وأغريت زيدا بكذا حتى غرى به ومنه الغراء الذي يلصق به الأشياء وقوله تعالى : بينهم ظرف لأغرينا أو متعلق بمحذوف وقع حالا من مفعوله أى أغرينا العدواة والبغضاء كائنة بينهم .
قال أبو البقاء : ولاسبيل إلى جعله ظرفا لهما لأن المصدر لايعمل فيما قبله وأنت تعلم أن منهم من أجاز ذلك إذا كان المعمول ظرفا وقوله تعالى : الى يوم القيامة إما غاية للاغراء أو للعدواة والبغضاء أى يتعادون ويتباغضون إلى يوم القيامة حسبما تقتضيه أهوائهم المختلفة وآراؤهم الزائغة المؤدية إلى التفرق إلى الفرق الكثيرة ومنها النسطورية : واليعقوبية والملكانية وقد تقدم الكلام فيهم فضمير بينهم إلى النصارى كما روى عن الربيع واختاره الزجاج والطبرى وعن الحسن وجماعة من المفسرين أنه عائد على اليهود والنصارى وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون .
14 .
- فى الدنيا من نقض الميثاق ونسيان الحظ الوافر مما ذكروا به والكلام مساق للوعيد الشديد بالجزاء والعقاب فالإنباء مجاز عن وقوع ذلك وانكشافه لهم لا أن ثمت أخبار حقيقة والنكتة فى التعبير بالإنباء الإنباء بأنهم لايعلمون حقيقة مايعملونه من الأعمال السيئة واستتباعها للعذاب فيكون ترتيب العذاب عليها فى إفادة العلم بحقيقة حالها بمنزلة الإخبار بها والالتفات إلى ذكر الاسم الجليل لما مر مرارا والتعبير عن العمل بالصنع للإيذان برسوخهم فيه وسوف لتأكيد الوعيد ياأهل أهل الكتاب التفات إلى خطاب الفريقين من اليهود والنصارى على أن الكتاب جنس صادق بالواعد