وقوله تعالى : منكم متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل كفر ولعل تغيير السبك حيث لم يقل وإن كفرتم عطفا على الشرطية السابقة كما قال شيخ الاسلام لاخراج كفر الكل عن حيز الاحتمال وإسقاط من كفر عن رتبة الخطاب ثم ليس المراد بالكفر إحداثه بعد الايمان بل مايعم الاستمرار عليه أيضا كأنه قيل : فمن اتصف بالكفر بعد ذلك إلا أنه قصد بايراد مايدل على الحدوث بيان ترقيتهم فى مراتب الكفر فان الاتصاف بشىء بعد ورده مايوجب الاقلاع عنه وإن كان استمرارا عليه لكن بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث فقد ضل سواء السبيل .
12 .
- أى وسط الطريق وحاقه ضلالا لاشبهة فيه ولاعذر معه بخلاف من كفر قبل ذلك إذ ربما أن يكون له شبهة ويتوهم عذر .
فبما نقضهم ميثاقهم أى بسبب نقضهم ميثاقهم المؤكد لابشىء آخر استقلالا وانضماما فالباء سببية و ما مزيدة لتوكيد الكلام وتمكينه فى النفس أو بمعنى شىء كما قال أبو البقاء والجار متعلق بقوله تعالى : لعنهم أى طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا عقوبة لهم قاله عطاء وجماعة وعن الحسن ومقاتل أن المعنى مسخناهم قردة وخنازير وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عذبناهم بضرب الجزية عليهم ولايخفى أن ماقاله عطاء أقرب إلى المعنى الحقيقى لأن حقيقة اللعن فى اللفة الطرد والابعاد فاستعماله فى المعنيين الأخيرين مجاز باستعماله فى لازم معناه وهو الحقارة بما ذكر لكنه لاقرينة فى الكلام عليه وتخيص البيان بما ذكر مع أن حقه أن يبين بعد بيان تحقق اللعن والنقض بأن يقال مثلا : فنقضوا ميثاقهم فلعناهم ضرورة تقدم هلية الشىء البسيطة على هليته المركبة كما قال شيخ الاسلام للايذان بأن تحققهما أمر جلى غنى عن البيان وإنما المحتاج إلى ذلك مابينهما من السببية والمسببية وجعلنا قلوبهم قاسية يابسة غليظة تنبو عن قبول الحق ولاتلين قاله ابن عباس رضى الله تعالى عنهما .
وقيل : المراد سلبناهم التوفيق واللطف الذى تنشرح به صدورهم حتى وان على قلوبهم ماكانوا يكسبون وهذا كما تقول لغيرك : أفسدت سيفك إذا ترك تعاهده حتى صدىء وجعلت أظافيرك سلاحك إذا لم يقصها وقال الجبائى : المعنى بينا عن حال قلوبهم وماهى عليه من القساوة وحكمنا بأنهم لايؤمنون ولاتنفع فيهم موعظة ولايخفى أنه خلاف الظاهر وما دعا اليه إلا الاعتزال وقرأ حمزة والكسائى قسية وهى إما مبالغة قاسية لكونه على وزن فعيل أو بمعنى ردية من قولهم : درههم قسى إذا كان مغشوشا وهو أيضا من القسوة فأن المغشوش فيه يبس وصلابة وقيل : إن قيس غير عربى بل معرب وقرىء قسية بكسر القاف للاتباع يحرفون الكلام عن مواضعه استئناف لبيان مرتبة قساوة قلوبهم فانه لامرتبة أعظم مما ينشأ عنه الاجتراء على تحريف كلام رب العالمين والافتراء عليه D والتعبير بالمضارع للحكاية واستحضار الصورة وللدلالة على التجدد والاستمرار وجوز أن يكون حالا من مفعول لعناهم أو من المضاف اليه فى قلوبهم وضعف بما ضعف وجعله حالا من القلوب أو من ضميره فى قاسية كما قيل لايصح لعدم العائد منه إلى ذى الحال وجعل القلوب بمعنى أصحابها مما لايلتفت اليه أصحابها ونسوا حظا أى تركوا نصيبا وافيا واستعمال النسيان بهذا المعنى كثير مما ذكروا به من التوراة : أو مما أمروا به فيها من اتباع محمد صلى الله عليه وسلّم