الجليل لمامر غير مرة ياأيها أمنوا شروع فى بيان الشرائع المتعلقة لما يجرى بينهم وبين غيرهم اثر مايتعلق بأنفسهم كونوا قوامين لله أى كثيرى القيام له بحقوقه اللازمة وقيل : أى ليكن من عادتكم القيام بالحق فى أنفسكم بالعمل الصالح وفى غيركم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ابتغاء مرضاة الله تعالى شهداء بالقسط أى بالعدل وقيل : دعاة لله تعالى مبينين عن دينه بالحجج الحقة ولايجرمنكم لايحملنكم شنئان قوم أى شدة بغضكم لهم عاى ألاتعدلوا فلا تشهدوا فى حقوقهم بالعدل أو فتعدوا عليهم بارتكاب مالايحل أعدلوا أيها المؤمنون فى أوليائكم وأعدائكم واقتصر بعضهم على الأعداء بناءا على ماروى أنه لما فتحت مكة كلف الله تعالى المسلمين بهذه الآية أن لايكافئوا كفار مكة بما سلف منهم وأن يعدلوا فى القول والفعل هو راجع إلى العدل الذى تضمنه الفعل وهو إما مطلق العدل فيندرج فيه العدل الذى أشار اليه سبب النزول وإما العدل مع الكفار أقرب للتقوى أى أدخل فى مناسبتها لأن التقوى نهاية الطاعة وهو أنسب الطاعات بها فالقرب بينهما على هذا مناسبة الطاعة للطاعة ويحتمل أن يكون أقربيته على التقوى باعتبار أنه لطف فيها مناسبة إفضاء السبب إلى المسبب وهو بمنزلة الجزء الأخير من العلة واللام مثلها فى قولك : هو قريب لزيد للاختصاص لامكملة فانه بمن أو إلى .
وتكلف الراغب فى توجيه الآية فقال : فان قيل : كيف ذكر سبحانه أقرب للتقوى وأفعل إنما يقال فى شييئين اشتركا فى أمر واحد لأحدهما مزية وقد علمنا أن لاشىء من التقوى ومن فعل الخير إلا وهو من العدالة قيل : إن أفعل وإن كان كما ذكرت فقد يستعمل على تقدير بناء الكلام على اعتقاد المخاطب فى الشىء فى نفسه قطعا لكلامه وإظهارا لتبكيته فيقال لمن اعتقده مثلا فى زيد فضلا وإن لم يكن فيه فضل ولكن لايمكنه أن ينكر أن عمرا أفضل منه : اخدم عمرا فهو أفضل من زيد وعلى ذلك جاء قوله تعالى : آلله خيرا أم مايشركون وقد علم أن لاخير فيما يشركون والجملة فى موضع التعليل للأمر بالعدل وصرح لهم به تأكيدا وتشديدا وأمر سبحانه بالتقوى بقوله جل وعلا : وأتقوا الله إثر مابين أن العدل أقرب لها اعتناءا بشأنها وتنبيها على أنها ملاك الأمر كله إن الله حبير بما تعملون .
8 .
- من الأعمال فيجازيكم بذلك وقد تقدم نظير هذه الآية فى النساء ولم يكتف بذلك لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة فى إطفاء نائرة الغيظ وقيل : لاختلاف السبب فان الأولى نزلت فى المشركين وهذه فى اليهود وذكر بعض المحققين وجها لتقديم القسط هناك وتأخيره هنا وهو أن آية النساء جىء بها فى معرض الاقرار على نفسه ووالديه وأقاربه فبدأ فيها بالقسط الذى هو العدل من غير محاباة نفس ولا والد ولاقرابة والتى هنا جىء بها فى معرض ترك العدواة فبدأ فيها بالقيام لله تعالى لأنه أردع للمؤنين ثم ثنى بالشهادة بالعدل فجىء فى كل معرض بما يناسبه وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الواجبات والمندوبات ومن جملتها العدل والتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم .
9 .
- جملة مستأنفة مبينة لثانى مفعولى وعد المحذوف كأنه قيل : أى شىء وعده