ثم اعلم أنهم اختلفوا فى أن الآية هل تقتضى وجوب النية أم لا فقال الحنفية : إن ظاهره لايقتضى ذلك والقول بوجوبها يقتضى زيادة فى النص والزيادة فيه تقتضى النسخ ونسخ القرآن بخبر الواحد غير واقع بل غير جائز عند الأكثرين وكذا بالقياس على المذهب المنصور للشافعى رضى الله تعالى عنه كما قاله المروزى فإذن لايصح إثبات النية وقال بعض الشافعية : إن الآية تقتضى الايجاب لأن معنى قوله تعالى : إذا قمتم إذا أردتم القيام وأنتم محدثون والغسل وقع جزاءا لذلك والجزاء مسبب عن الشرط فيفيد وجوب الغسل لأجل إرادة الصلاة وبذلك يثبت المطلوب وقال آخرون وعليه المعول عندهم وجه الاقتضاء أن الوضوء مأمور به وهو ظاهر وكل مأمور به يجب أن يكون عبادة وإلا لما أمر به وكل عبادة لاتصح بدون النية لقوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبوا الله مخلصين والاخلاص لايحصل إلا بالنية وقد جعل حالا للعابدين والأحوال شروط فتكون كل عبادة مشروطة بالنية وقاسوا أيضا الوضوء على التعميم فى كونهما طهارتين للصلاة وقد وجبت النية فى المقيس عليه فكذا فى المقيس ولنا القول بموجب العلة يعنى سلمنا أن كل عبادة بنية والوضوء لايقع عبادة بدونها لكن ليس كلامنا فى ذلك بل فى أنه إذا لم ينو حتى لم يقع عبادة سببا للثواب فهل يقع الشرط المعتبر للصلاة حتى تصح به أولا ليس فى الآية ولا فى الحديث المشهور الذى يوردنه فى هذا المقام دلالة على نفيه ولاإثباته فقلنا : نعم لأن الشرط مقصود التحصيل لغيره لالذاته فكيف حصل المقصود وصار كستر العورة ! وباقى شروط الصلاة التى لايفتقر اعتبارها إلى أن ينوى ومن ادعى أنةالبشرط وضوء هو عبادة فعليه البيان والقياس المذكور على التيمم فاسد فان من المتفق عليه أن شرط القياس أن لايكون شرعية حكم الأصل متأخرة عن حكم الفرع وإلا لثبت حكم الفرع بلا دليل وشرعية التيمم متأحرة عن الوضوء فلايقاس الوضوء على التيموم فى حكمه نعم إن قصد الاستدلال بآية التيمم بمعنى أنه لما شرع التيمم بشرط النية ظهر وجوبها فى الوضوء وكان معنى القياس أنه لافارق لم يرد ذلك وذكر بعض المحققين فى الفرق بين الوضوء والتيمم وجهين : الاول أن التيمم ينبىء لغة عن القصد فلا يتحقق بدونه بخلاف الوضوء والثانى أن التراب جعل طهورا فى حالة مخصوصة والماء طهور بنفسه كما يستفاد من قوله تعالى : ماءا طهورا وقوله سبحانه : ليطهركم به فحينئذ يكون القياس فاسدا أيضا .
واعترض الوجه الأول بأن النية المعتبرة ليست نية نفس الفعل بل أن ينوى المقصود به الطهارة والصلاة ولو صلاة الجنازة وسجدة التلاوة على مابين فى محله وإذا كان كذلك فانما ينبىء عن قصد غير المعتبر نية