فلا يكون النص بذلك موجبا للنية المعتبرة ومن هنا يعلم مافى استدلال بعض الشافعية بآية الوضوء على وجوب النية فيه السابق آنفا وذلك لأن المفاد بالتركيب المقدر إنما هو وجوب الغسل لأجل إرادة الصلاة مع الحدث لاإيجاب أن يغسل لأجل الصلاة إذ عقد الزاء الواقع طلبا بالشرط يفيد طلب مضمون الجزاء إذا تحقق مضمون الشرط وأن وجوبه اعتبر مسببا عن ذلك فأين طلبه على وجه مخصوص هو فعله على قصد كونه لمضمون الشرط فتأمل فقد خفى هذا على بعض الأجلة حتى لم يكافئه بالجواب والوجه الثانى بانه إن أريد بالحالة المخصوصة حالة الصلاة فهو مبنى على أن الارادة مرادة فى الجملة المعطوفة عليها جملة التيمم .
وأنت قد علمت الآن أن لادلالة فيها على اشتراط النية وإن أريد حالة عدم القدرة على استعمال الماء فظاهر أن ذلك لايقتضى إيجاب النية ولانفيها واستفاد كون الماء طهورا بنفسه مما ذكر بأن كون المقصود من إنزاله التطهير به وتسميته طهورا لايفيد اعتباره مطهرا بنفسه أى رافعا للأمر الشرعى بلا نية وهو المطلوب بخلاف إزالته الخبث لأن ذلك محسوس أنه مقتضى طبعه ولاتلازم بين إزالته حسا صفة محسوسة وبين كونه يرتفع عند استعماله اعنبار شرعى والمفاد من ليطهركم كون المقصود من إنزاله التطهير به وهذا يصدق مع اشتراط النية كما قال الشافعى رضى الله تعالى عنه وعدمه كما قلنا ولادلالة للأعم على أخص بخصوصه كما هو المقرر قتدبر .
واختلفوا أيضا فى أنها هل تقتضى وجوب الترتيب أم لا فذهب الحنفية إلى الثانى لأن المذكور فيها الواو وهى لمطلق الجمع على الصحيح المعول عليه عندهم والشافعية إلى الأول لأن الفاء فى اغسلوا للتعقيب فتفيد تعقيب القيام إلى الصلاة بغسل الوجه فيلزم الترتيب بين الوجه وغيره فيلزم فى الكل لعدم القائل بالفصل .
وأجيب بأنا لانسلم إفادتها تعقيب القيام به بل جملة الأعضاء وتحقيقه أن المعقب طلب الغسل وله متعلقات وصل إلى أولها ذكرا بنفسه وإلى الباقى بواسطة الحرف المشترك فاشتركت كلها فيه من غير إفادة طلب تقديم تعليقه ببعضها على بعض فى الوجود فصار مؤدى التركيب طلب إعقاب غسل جملة الأعضاء وهذا نظير قولك : ادخل السوق فاشتر لنا خبزا ولحما حيث كان المفاد أعقاب الدخول بشراء ماذكر كيفما وقع .
وزعم بعضهم أن إفادة النظم للترتيب لأنه لو لم يرد ذلك لأوجب تقديم الممسوح أو تأخيره عن المغسول ولأنهم يقدمون الأهم فالأهم وفيه نظر لأن قصارى ما يدل عليه النظم أولوية الترتيب ونحن لاننكر ذلك وقال آخرون : الدليل على الترتيب فعله صلى الله عليه وسلّم فقد توضأ E مرتبا ثم قال : هذا وضوء لايقبل الله تعالى الصلاة إلا به وفيه أن الإشارة كانت لوضوء مرتب موالى فيه فلو دل على فرضية الترتيب لدل على فرضية الموالاة ولاقائل بها عند الفريقين نعم أقوى دليل لهم وقوله A فى حجة الوداع : ابدأوا بما بدأ الله تعالى به بناءا على أن الأمر للوجوب والعبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب وأجيب عن ذلك بما أجيب إلا أن الاحتياط لايخفى وهذا المقدار يكفى فى الكلام على هذه الآية والزيادة على ذلك ببيان سنن الوضوء ونواقضه ومايتعلق به مما لاتفهمه الآية كما فعل بعض المفسرين فضول لافضل وإظهار علم يلوح من خلاله الجهل وإن كنتم جنبا وأى عند القيام إلى الصلاة فأطهروا أى فاغتسلوا على أتم وجه وقرىء فاطهروا أى فطهروا أبدانكم والمضمضة والاستنشاق هنا فرض كغسل سائر البدن لانه سبحانه أضاف التطهير إلى مسمى الواو وهو جملة بدن كل مكلف فيدخل كل مايمكن الإيصال اليه