وبالجملة المسألة سمعية وتفصيل الأدلة والمذاهب فيها حشو الكتب الكلامية والقطع منوط بالنص الذى لايحتمل تأويلا وجوده عسر .
وقد ذكر اآمدى فى أبكار الأفكار بعد بسط الكلام ونقض وإبرام إن هذه المسألة ظنية لاحظ للقطع فيها نفيا وإثباتا ومدارها على الأدلة السمعية دون الأدلة العقلية وقال أفضل المعاصرين صالح أفندى الموصلى تغمده الله برحمته فى تعليقاته على البضاوى : الأولى عندى التوقف فى هذه المسألة بالنسبة إلى غير نبينا صلى الله عليه وسلّم إذ لاقطع يدل على الحكم فيها وليس معرفة ذلك ماكلفنا به والباب ذو خطر لاينبغى المجازفة فيه فالوقف أسلم واله تعالى أعلم ومن يستنكف عن عبادته أى طاعته فيشمل جميع الكفرة لعدم طاعتهم له تعالى وإنما جعل المستنكف عنه ههنا عبادته تعالى لاماسبق كما قال شيخ الاسلام لتعليق الوعيد بالوصف الظاهر الثبوت للكفرة فان عدم طاعتهم له تعالى مما لاسبيل لهم إلى انكار اتصافهم به وعبر سبحانه عن عدم طاعتم له بالاستنكاف مع أن ذلك كان منهم بطريق إنكار كون الأمر من جهته تعالى لابطريق الاستنكاف لأنهم كانوا يستنكفون عن طاعة رسول الله A وهذا هو الاستنكاف عن طاعة الله تعالى إذ لاأمر له صلى الله تعالى عليه وسلم سوى أمره D من يطع الرسول فقد أطاع الله .
وقيل : التعبير باالاستنكاف من باب المشاكلة ويستكبر أى عن ذلك وأصل الاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق لابمعنى طلب تحصيله مع اعتقاد عدم حصوله بل بمعنى عد نفسه كبيرا واعتقاده كذلك وإنما عبر عنه بما يدل على الطلب للايذان بأن مآله محض الطلب بدون حصول المطلوب ونظير ذلك على ماقيل : قوله تعالى : يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا والاستكبار على ماأشار اليه الزجاج وتقدم دون الاستنكاف وجاء فى الحديث عنه A لايدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل : يارسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسن ونعله حسن قال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس .
وللناس فى تأويل الحديث أقوال ذكرها الإمام النووى فى شرح مسلم منها أن المراد بالكبر الماتع من دخول الجنة هو التكبر على الايمان واختارة مولانا أفضل المعاصرين ثم قال : وعليه فالمنفى أصل الدخول كما هو الظاهر المتبادر وتنكير الكبر للنوعية والمعرف فى آخر الحديث وهو جنس الكبر لهذا النوع بخصوصه وإن كان الغالب فى اعادة النكرة معرفة إرادة عين الأول وإنما صلى الله تعالى عليه وسلم حكم ذلك النوع بالبيان ليكون أبلغ فى الزجر عن الكبر فان جنسا يبلغ بعض أنواعه بصاحبه من وخامة العاقبة وسوء المغبة هذا المبلغ أعنى الشفاء المؤبد جدير بأن يحترز عنه غاية الاحتراز ثم عرف صلى الله تعالى عليه وسلم الكبر بما عرفه للئلا يتوهم انحصار الكبر المذموم فى النوع المذكور .
وبهذا التقرير اندفع استبعاد النووى C تعالى لهذا التأويل بأن الحديث ورد في سياق الزجر عن الكبر المعروف وهو إنكار الحق واحتقار الناس فحمل الكبر على ذلك خاصة خروج عن مذاق الكلام ووجه اندفاعه غير خفى على ذوى الأفهام انتهى والظاهر أن مافى الحديث تعريف باللازم للمعنى اللغوى فسيحشرهم إليه جميعا أى المستنكفين ومقابليهم المدلول عليهم بذكر عدم استنكاف المسيح والملائكة