كل واحد منهم أفضل منالمسيح قال فى الانتصاف : وفيه نظر لأن مورده إذا بنى على أن المسيح أفضل من كل واحد من آحاد الملائكة فقد يقال : يلزمه القول بأنه أفضل من الكل كما أن النبى صلى الله عليه وسلّم لما كان أفضل من كل واحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان أفضل من كلهم ولم يفرق بين التفضيل والتفضيل على الجملة أحد ممن صنف فى هذا المعنى .
وقد كان طار عن بعض الائمة المعاصرين تفضيله بين التفضيلين ودعوى أنه لايلزم منه على التفضيل تفضيل على الجملة ولم يثبت عنه هذا القول ولو قاله فهو مردود بوجه لطيف وهو أن التفضيل المراد جل أمارته رفع درجة الأفضل فى الجنة والاحاديث متظافرة بذلك وحينئذ لايخلو إما أن ترتفع درجة واحد من المفضولين على من اتفق أنه أفضل من كل واحد منهم أولا ترتفع درجة أحد منهم عليه لاسبيل إلى الأول لأنه يلزم منه رفع المضول على الفضل فيتعين الثانى وهو ارتفاع درجة الأفضل على درجات المجموع ضرورة فيلزم ثبوت أفضليته على المجموع من ثبوت أفضليته على كل واحد منهم قطعاانتهى .
قلت فما شاع من الخلاف بين الحنفية والشافعية فى أن النبى A هل هو أفضل من المجموع كما أنه أفضل من الجميع أم أنه أفضل من الجميع فقط دون المجموع ليس فى محله على هذا فتدبر وقيل فى الجواب إن غاية ماتدل عليه الآية تفضيل المقربين من الملائكة وهم الكروييون الذين هم حول العرش أو من هم وأعلى رتبة منهم من الملائكة على المسيح من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك لايستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا وفيه النزاع ورد بأن المدعى أن فى مثل هذا الكلام مقتضى قواعد المعانى الترقى من الأدنى إلى الأعلى دون العكس أو التسوية وقد علم أن الحكم فى الجمع ىالمحلى بأل على الآحاد وأن المدعى ليس إلا دلالة الكلام على أن الملك المقرب أفضل من عيسى عليه السلام وهذا كاف فى إبطال القول بأن خواص البشر أفضل من حواص الملك وزعم بعضهم أن عطف الملائكة على المسيح بالواو لايقتضى ترتيبا وما يورد من الأمثلة لكون الثانى أعلى مرتبة من الأول معارض بأمثلة لاتقتضى ذلك كقول القائل : مأعاننى على هذا الامر زيد ولاعمرو وكقولك : لانؤذ مسلما ولاذميا بل لو عكست فى هذا المثال وجعلت الأعلى ثانيا لخرجت عن حد الكلام وقانون البلاغة كما قال فى الانتصاف ثم قال فيه : ولكن الحق أولى من المراد وليس بين المثالين تعارض ونحن نمهد تمهيدا برفع اللبس وبكشف الغطاء فنقول : النكتة فى التريتب فى المثالين الموهم تعارضهما واحدة وهى توجب فى مواضع تقديم الأعلى وفى مواضع تأخيره وتلك النكتة أن مقتضى البلاغة التنائى عن التكرار والسلامة عن النزول فاذا اعتمدت ذلك فهما أدى الى أن يكون آخر كلامك نزولا بالنسبة إلى أوله أو يكون الآخر مندرجا فى الأول قد أفاده وأنت مستغن عن الآخر فاعدل عن ذلك إلى مايكون ترقيا من الأدنى إلى الأعلى واستئنافا لفائدة لم يشتمل عليها الأول مثاله الآية المذكورة فانك لو ذهبت فيها إلى أن يكون المسيح أفضل من الملائكة وأعلى رتبة لكان ذكر الملائكة بعده كالمستغنى عنه لأنه إذا كان الأفضل وهو المسيح على هذا التقدير عبدا غير مستنكف من العبودية لزم من ذلك أن مادونه فى الفضيلة أولى أن لايستنكف عن كونه عبدا لله تعالى وهم الملائكة على هذا التقدير فلم يتجدد إذن بقوله تعالى : ولا الملائكة المقربون إلا ماسلف أول الكلام وإذا قدرت المسيح مفضولا بالنسبة إلى الملائكة فكأنك ترقيت من تعظيم الله تعالى بأن المفضول لايستنكف عن كونه عبدا له تعالى إلى أن الأفضل لايستنكف عن ذلك ولبس