بحسبها ومما يشهد لذلك قول الشيخ الأكبر قدس سره فى الباب الثامن والخمسين وخمسمائة من الفتوحات فى حضرة البديع بعد بسط : وهذا يدلك على أن العالم ماهو عين الحق وإنما ظهر فى الوجود الحق إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا وقوله فى هذا الباب أيضا فى قوله تعالى : وعنده مفاتيح الغيب لايعلمها إلا هو انفرد سبحانه بعلمها ونفى العلم عن كل ما سواه فأثبتك فى هذه الآية وأعلمك أنك لست هو إذ لو كنت هو لعملت مفاتح الغيب بذاتك وما لاتعلمه إلا بموقف فلست عين الموقف وكذا قال غير واحد وقال الشيخ شرف الدين إسمعيل بن سود كين فى شرح التجليات نقلا عن الشيخ قدس سره أيضا : لما ظهرت الممكنات بإظهار الله تعالى لها وتحقق ذلك تحققا لايمكن للممكن أن يزيل هذه الحقيقة أبدا فبقى متواضعا لكبرياء الله تعالى خاشعا له وهذه سجدة الأبد وهى عبارة عن معرفة العبد بحقيقته .
ومن هنا يعلم حقيقة قوله سبحانه : كنت سمعه وبصره الحديث ولما لاح من هذا المشهد لبعض الضعفاء لائح قال : أنا الحق فسكر وصاح ولم يتحقق لغيبته عن حقيقته انتهى وأما أنهم لم يقولوا بالاتحاد فلأن الاتحاد إما بصيرورة الوجود المحض المجرد المتعين بذاته وجودا مقترنا بالماهية المعدومة متعينا بحسبها أو بالعكس وذلك محال بوجهيه لأن التجرد عن الماهية ذاتى للحق تعالى والاقتران بها ذاتى للممكن وما بالذات لايزول .
وفى كتاب المعرفة للشيخ الأكبر قدس سره إذا كان الاتحاد مصير الذاتين واحدة فهو محال لأنه إن كان عين كل منهما موجودا فى حال الاتحاد فهما ذاتان وإن عدمت العين الواحدة وثبتت الأخرى فليست إلا واحدة وقال فى كتاب الياء وهو كتاب الهو الاتحاد محال وساق الكلام إلى أن قال : فلا اتحاد البتة لامن طريق المعنى ولامن طريق الصورة وقال فى الباب الخامس من الفتوحات خطابا من الحق تعالى للروح الكلى : وقد حجبتك عن معرفة كيفية إمدادى لك بالاسرار الآلهية إذ لاطاقة لك بحمل مشاهدتها إذ لو عرفتها لاتحدث الإنية واتحاد الانية محال فمشاهدتك لذلك محال هل ترجع إنية المركب إنية البسيط لاسبيل إلى قلب الحقائق وأما إنهم لم يقولوا بالحلول فلأنهم فسروا الحلول تارة بأنه الحصول على سبيل التبعية وتارة بأنه كون الموجود فى محل قائما به ومن المعلوم أن الواجب تعالى وهو الوجود المحض القائم بذاته المتعين كذلك يستحيل عليه القيام بغيره .
قال الشيخ الأكبر قدس سره فى الباب الثانى والتسعين ومائتين من الفتوحات : نور الشمس إذا تجلى فى البدر يعطى من الحكم مالايعطيه من الحكم بغير البدر لاشك فى ذلك كذلك الاقتدار الآلهى إذا تجلى فى العبد يظهر الافعال عن الخلق فهو وإن كان بالاقتدار الآلهى لكن يختلف الحكم لأنه بواسطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه وكما يعلم عقلا أن القمر فى نفسه ليس فيه من نور الشمس شىء وأن الشمس ماانتقلت اليها بذاتها وإنما كان لها مجلى كذلك العبد ليس فيه من خلقه شىء ولاحل فيه وإنما هو مجلى له وخاصة ومظهر له انتهى .
وهذا نص فى نفى الحلول ومنشأ غلط المحجوبين المنكرين عدم الفهم لكلام هؤلاء السادة نفعنا الله تعالى بهم على وجهه وعدم التمييز بين الحلول والتجلى ولم يعملوا أن كون الشىء مجلى لشىء ليس كونه محلا له فان الظاهر فى المرآة خارج عن المرآة بذاته قطعا بخلاف الحال فى محل فانه حاصل فيه فالظهور غير الحلول