أحدهما بطل الاتحاد ومنهم من قال : المسيح مع اتحاد جوهره قديم من وجه محدث من وجه ومن اليعقوبية من قال : إن الكلمة لم تأخذ من مريم شيئا وإنما مرت بها كمرور الماء بالميزاب ومنهم من زعم أن الكلمة كانت تداخل جسد المسيح فتصدر عنه الآيات التى كانت تظهر عنه وتفارقه تارة فتحله الآفات والآلام ومن النصارى من زعم أن معنى اتحاد اللاهوت بالناسوت ظهور اللاهوت على الناسوت وإن لم ينتقل من اللاهوت إلى الناسوت شىء ولاحل فيه وذلك كظهور نقش الطابع على الشمع والصورة المرئية فى المرآة ومنهم من قال : إن الوجود والكلمة قديمان والحياة مخلوقة ومنهم من قال إن الله تعالى واحد وسماه أبا وأن المسيح كلمة الله تعالى وابنه على طريق الاصطفاء وهو مخلوق قبل العالم وهو خالق للاشياء كلها .
وحكى المؤرخون وأصحاب النقل أن أريوس أحد كبار النصارى كان يعتقد هو وطائفته توحيد البارى ولايشرك معه غيره ولايرى فى المسيح مايراه النصارى بل يعتقد رسالته وأنه مخلوق بجمسه وروحه ففشت مقالته فى النصرانية فتكاتبوا واجتمعوا بمدينة نيقية عند الملك قسطنطين وتناظروا فشرح أريوس مقالته ن فرد عليه الاكصيدروس بطريق الاسكندرية وشنع على ماقالته عند الملك ثم تناظروا فطال تنازعهم فتعجب الملك من انتشار مقالتهم وكثرة اختلافهم وقام لهم البترك وأمرهم أن يبحثوا عن القول المرضى فاتفق رأيهم على شىء فحرروه وسموه بالأمانة وأكثرهم اليوم عليها وهى نؤمن بالله تعالى الواحد الأب صانع كل شىء مالك كل شىء صانع مايرى ومالايرى وبالرب الواحد المسيح ابن الله تعالى الواحد بكر الخلائق كلها الذى ولد من أبيه قبل العوالم كلها وليس بمصنوع إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذى بيده أتقنت العوالم وخلق كل شىء الذى من أجلنا معاشر الناس ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس ومريم وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول واتجمع وصلب أيام فيلاطس ودفن وقام فى اليوم الثالث كماهو مكتوب وصعد الى السماء وجلس على يمين أبيه وهو مستعد للمجىء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء ونؤمن بروح القدس الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه وبعمودية واحدة لغفران الخطايا والجماعة واحدة قدسية كاطو لكية وبالحياة الدائمة إلى أبد الآبدين انتهى .
وهذه جملة الأقاويل وما لهؤلاء الكفرة من الأباطيل وهى مع مخالفتها للعقول ومزاحمتها للاصول مما لامستند لها ولا معول لهم فيها غير التقليد لأسلافهم والأخذ بظواهر ألفاظ لايحيطون بها على أن ماسموه أمانة لاأصل له فى شرع الانجيل ولامأخوذة من قول المسيح ولا من أقوال تلاميذه وهو مع ذلك مضطرب متناقض متهافت يكذب بعضه بعضا ويعارضه ويناقضه وإذ قد علمت ذلك فاستمع لما يتلى عليك فى ردهم تتميما للفائدة وتأكيدا لابطال تلك العقائد الفاسدة أما قولهم : بأن الله تعالى جوهر بالمعنى المذكور فلانزاع لنا معهم فيه من جهة المعنى بل من جهة الاطلاق اللفظى سمعا والأمر فيه هين وأما حصرهم الأقانيم فى ثلاثة صفة الوجود وصفة الحياة وصفة العلم فباطل لأنه بعد تسليم أن صفة الوجود زائدة لو طولبوا بدليل الحصر لم يجدوا اليه سبيلا سوى قولهم : بحثنا فلم نجد غير ماذكرناه وهو غير يقينى كما لايخفى ثم هو باطل بما تحقق فى موضعه من وجوب صفة القدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام فان قالوا : الأقانيم هى خواص الجوهر وصفات نفسه ومن حكمها أن تلزم الجوهر ولاتتعداه إلى غيره وذلك متحقق فى الوجود والحياة إذ لاتعلق لوجود الذات القديمة