ابن الحبيب الذى سرت به نفسى فانه على تقدير صحته يهدم مايزعمه النصارى من أنه عليه السلام تجسد بروح القدس فى بطن أمه : ومافيه من وصفه عليه السلام بالنبوة سيأتى ان شاء الله تعالى الجواب عنه .
فآ منوا بالله وخصوه بالألوهية ورسله أجمعين ولاتخرجوا أحدا منهم إلى ما يستحيل وصفه به من الألوهية ولاتقولوا ثلاثة أى الآلهة ثلاثة : الله سبحانه والمسيح ومريم كما ينبىء عنه قواه تعالى : أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الناس إذ معناه إلهين غير الله تعالى يكونون معه ثلاثة .
وحكى هذا التقدير عن الزجاج أو الله سبحانه ثلاثة إن صح عنهم أنهم يقولون : الله تعالى جوهر واحد ثلاثة أقانيم أقنوم الأب وأقنوم الأبن وأقنوم روح القدس وأنهم يريدون بالأول الذات أو الوجود وبالثانى العلم أى الكلمة وبالثالث الحياة كذا قيل وتحقيق الكلام فى هذا المقام على ماذكره بعض المحققين أن النصارى اتفقوا على أن الله تعالى جوهر بمعنى قائم بنفسه غير متحيز ولامختص بجهة ولامقدر بقدر ولايقبل الحوادث بذاته ولايتصور عليه الحدوث والعدم وأنه واحد بالجوهرية ثلاثة بالاقنومية والاقانيم صفات للجوهر القديم وهى الوجود والعلم والحياة وعبروا عن الوجود بالأب والحياة بروح القدس والعلم بالكلمة .
ثم اختلفوا فذهب الملكانية أصحاب ملكا الذى ظهر بالروم واستولى عليها إلى أن الأقانيم غير الجوهر القديم وأن كل واحد منها إله وصرحوا باثبات التثليث وقالوا : إن الله ثالث ثلاثة سبحانه وتعالى عما يشركون وأن الكلمة اتحدت بجسد المسيح وتدرعت بناسوته وامتزجت به امتزاج الماء بالخمر وانقلبت الكثرة وحدة وأن المسيح ناسوت كلى لاجزئى وهو قديم أزلى وأن مريم ولدت إلها أزليا مع اختلافهم فى مريم أنها إنسان كلى أو جزئى واتفقوا على أن اتحاد اللاهوت بالمسيح دون مريم وأن القتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت معا وأطلقوا لفظ الأب على الله تعالى والإبن على عيسى عليه السلام وذهب نسطور الحكيم فى زمان المأمون إلى أن الله تعالى واحد والأقانيم الثلاثة ليست غير ذاته ولانفس ذاته وأن الكلمة اتحدت بجسد المسيح لابمعنى الامتزاج بل بمعنى الاشراق أى أشرقت عليه كاشراق الشمس من كوة على بلور .
ومن النسطورية من قال : إن كل واحد من الأقانيم الثلاثة حى ناطق موجود وصرحوا بالتثليث كالملكانية ومنهم ومن منع ذلك ومنهم من أثبت صفات أخر كالقدرة والارادة ونحوها لكن لم يجعلوها أقانيم وزعموا أن الابن لم يزل متولدا من الأب وانما تجسده وتوحده بجسد المسيح حين ولد والحدوث راجع الى الناسوت فالمسيح إله تام وإنسان تام وهما قديم وحادث والاتحاد غير مبطل لقدم القديم ولالحدوث الحادث وقالوا إن الصلب ورد على الناسوت دون اللاهوت وذهب بعضى اليعقوبية إلى أن الكلمة انقلبت لحما ودما فصار الإله هو المسيح وقالوا : إن الله هو المسيح عيسى ابن مريم ورووا عن يوحنا الإنجيلى أنه قال فى صدر إنجيله : ان الكلمة صارت جسدا وحلت فينا وقال : فى البدء كانت الكامة ووالكامة عند الله والله تعالى هو الكلمة ومنهم من قال : ظهر اللاهوت بالناسوت بحيث صار هو هو وذلك كظهور الملك فى الصورة المشار اليه بقوله تعالى : فتمثل لها بشرا سويا ومنهم من قال : جوهر الإله القديم وجوهر الانسان المحدث تركبا تركب النفس الناطقة مع البدن وصار جوهرا واحدا وهو المسيح وهو الإله ويقولون صار الإله إنسانا وإن لم يصر الانسان إلها كما يقال فى الفحمة الملقاة فى النار : صارت نارا ولايقال : النار فحمة ويقولون : إن اتحاد اللاهوت بالانسان الجزئى دون الكلى وأن مريم ولدت إلها وأن القتل والصلب واقع على اللاهوت والناسوت جميعا إذ لو كان على