التى بشر بها مريم عليها السلام على لسان الملائكة كما قال سبحانه : إذ قالت الملائكة إن الله يبشرك بكلمة وجملة ألقاها حال على ما قيل : من الضمير المجرور فى كلمته بتقدير قد والعامل فيها معنى الاضافة والتقدير وكلمته ملقيا إياها وقيل : حال من ضميره عليه السلام المستكن فيما دل عليه وكلمته من معنى المشتق الذي هو العامل فيها وقيل : حال من فاعل كان مقدرة مع إذ المتعلقة بالكلمة باعتبار أن المراد بها المكون والتقدير إذ ألقاها الى مريم وروح منه عطف على ماقبله وسمى عليه السلام روحا لأنه حدث عن نفخة جبرائيل عليه السلام فى درع مريم عليها السلام بأمره سبحانه وجاء تسمية النفخ روحا فى كلامهم ومنه قول ذى الرمة فى نار .
وأحيها بروحك .
و من متعلقة بمحذوف وقع صفة لروح وهى لابتداء الغاية مجازا لاتبعيضية كما زعمت النصارى .
يحكى أن طبيبا نصرانيا حاذقا للرشيد ناظر على بن الحسين الواقدى المروزى ذات يوم فقال له : إن فى كتابكم مايدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى وتلى هذه الآية فقرأ الواقدى قوله تعالى : وسخر لكم مافى السموات ومافى والارض جميعا منه فقال : إذن يلزم أن يكون جميع الاشياء جزءا منه سبحانه وتعالى علوا كبيرا فانقطع النصرانى فأسلم وفرح الرشيد فرحا شديدا ووصل الواقدى بصلة فاخرة وقيل : سمى روحا لان الناس يحيون كما يحيون بالارواح وإلى ذلك ذهب الجبائى وقيل : الروح هنا بمعنى الرحمة كما فى قوله تعالى : وأيدهم بروح منه على وجه وقيل : أريد بالروح الوحى الذي أوحى إلى مريم عليها السلام بالبشارة وقيل : جرت العادة بأنهم إذا أرادوا وصف شىء بغاية الطهارة والنظافة قالوا : إنه روح فلما كان عيسى عليه السلام متكونا من النفخ لا من النطفة وصف بالروح وقيل : أريد بالروح السر كما يقال : روح هذه المسألة كذا أى أنه عليه السلام سر من أسرار الله تعالى وآية من آياته سبحانه وقيل : المراد ذو روح على حذف المضاف أو استعمال الروح فى معنى ذى الروح والإضافة إلى الله تعالى للتشريف ونظير ذلك مافى التوراة إن موسى عليه السلام رجل الله وعصاه قضيب الله وأورشليم بيت الله وقيل : المراد من الروح جبريل عليه السلام والعطف على الضمير المستكن فى ألقاها والمعنى ألقاها الله تعالى وجبريل إلى مريم ولايخفى بعده وعلى العلات لاحجة للنصارى على شىء مما زعموا فى تشريف عيسى عليه السلام بنسبة الروح اليه اذ لغيره عليه السلام مشاركة له فى ذلك ففى إنجيل لوقا قال يسوغ لتلاميذه : إن أياكم السماوى يعطى روح القدس الذين يسألونه وفى إنجيل متى : إن يوخنا المعمدانى امتلأ من روح القدس وهو فى بطن أمه وفى التوراة : قال الله تعالى لموسى عليه السلام اختر سبعين من قومك حتى أفيض عليهم من الروح التى عليك فيحملوا عنك ثقل هذا النعت ففعل فأفاض عليهم من روحه فتبنوا لساعتهم وفيها فى حق يوسف عليه السلام : يقول الملك : هل رأيتم مثل هذا الفتى الذى روح الله تعالى D حال فيه وفيها أيضا : إن روح الله تعالى حلت على دانيال إلى غير ذلك .
ولعل الروح فى جميه ذلك أمر قدسى وسر إلهى يفيضه الله تعالى على من يشاء من عباده حسبما يشاء وفى أى وقت يشاء وإطلاق ذلك على عيسى عليه السلام من باب المبالغة على حد ماقيل فى زيد : عدل وليس المراد به الروح الذى به الحياة أصلا وقد يظهر ذلك بصورة كما يظهر القرآن بصورة الرجل الشاحب والموت بصورة الكبش ويؤيد ذلك فى الجملة مافى إنجيل متى فى تمام الكلام على تعميد عيسى عليه السلام : إن يسوع تعمد وحرج من الماء انفتحت له أبواب السماء ونظر روح الله تعالى جاءت له فى صفة حمامة وإذا بصوت من السماء هذا