الراسخون والسين لتوكيد الوعد كما قدمنا وتنكير الأجر للتفحيم كما مر غير مرة ولايخفى مافى هذا من المناسبة التامة بين طرفى الاستدراك حيث أوعد الأولون بالعذاب الاليم ووعد الآخرون بالاجر العظيم وجوز غير واحد من المفسرين كون خبر المبتدأ الاول جملة يؤمنون وحمل المؤمنين على أصحاب النبى صلى الله عليه و سلم ممن عدا أهل الكتاب والمناسبة عليه غير تامة وذهب بعضهم إلى أن الاستدراك إنما هو من قوله تعالى : يسئلك أهل الكتاب الآية كأنه قيل : لكن هؤلاء لايسألونك ما يسألك هؤلاء الجهال من إنزال كتاب من السماء لانهم قد علموا صدق قولك فيما قرءوا من الكتب المنزلة على الانبياء عليهم الصلاة والسلام ووجوب اتباعك عليهم فلاحاجة بهم أن يسألوك معجزة أخرى إذ قد علموا من أمرك بالعلم الراسخ فى قلوبهم مايكفيهم عن ذلك وروى هذا عن قتادة وتجاوب طرفى الاستدراك عليه أتم منه على قول الجمهور .
وقرأ حمزة سيؤتيهم بالياء مراعاة لظاهر قوله تعالى : المؤمنون بالله .
إنا أوحيتا اليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا من السماء واحتجاج عليهم بأن شأنه فى الوحى كشأن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين لاريب فى نبوتهم وقيل : هو تعليل لقوله تعالى : الراسخون فى العلم .
وأخرج إبن اسحق وغيره عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال : قال سكين وعدى بن زيد : يا محمد مانعلم الله تعالى أنزل على بشر من شىء بعد موسى عليه السلام فأنزل الله تعالى هذه الآية والكاف فى محل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أى ايحاءا مثل إيحائنا الى نوح عليه السلام أو حال من ذلك المصدر المقدر معرفا كما هو رأى سيبويه أى إنا أوحينا الايحاء مشبها بايحائنا الخ و ما فى الوجهين مصدرية .
وجوز أبو البقاء أن تكون موصولة فيكون الكاف مفعولا به أى أوحينا اليك مثل الذى أوحيناه إلى نوح من التوحيد وغيره وليس بالمرضى و من بعده متعلق بأوحينا ولم يجوزوا أن يكون حالا من النبيين لأن ظروف الزمان لاتكون أحوالا للجثث وبدأ سبحانه بنوح عليه السلام تهديدا لهم لأنه أول نبى عوقب قومه وقيل : لأنه أول من شرع الله تعالى على لسانه الشرائع والأحكام وتعقب بالمنع وقيل : لمشابهته بنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فى عموم الدعوة لجميع أهل الأرض ولايخلوا عن نظر لأن عموم دعوته عليه السلام اتفاقى لاقصدى وعموم الفرق على القول به وسيأتى إن شاء الله تعالى تحقيقه ليس قطعى الدلالة على ذلك كما لايخفى .
وأوحينا إلى ابراهيم عطف على أوحينا إلى نوح داخل معه فى حكم التشبيه أى كما أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وهم أولاد يعقوب عليه السلام فى المشهور وقال غير واحد : إن الأسباط فى ولد إسحق كالقبائل فى أولاد إسماعيل وقد بعث منهم عدة رسل فيجوز أن يكون أراد سبحانه بالوحى اليهم إلى الانبياء منهم كما تقول : أرسلت الى بنى تميم وتريد أرسلت الى وجوههم ولم يصلح أن الأسباط الذين هم أخوة يوسف عليه السلام كانوا أنبياء بل الذي صح عندى وألف فيه الجلال السيوطى رسالة خلافه وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان ذكروا مع ظهور انتظامهم فى سلك النبيين تشريفا لهم وإظهارا لفضلهم على ماهو المعروف فى ذكر الخاص بعد العام فى مثل هذا المقام وتكرير الفعل لمزيد تقرير الإيحاء والتنبيه على أنهم طائفة خاصة مستقلة بنوع مخصوص من الوحى وبدأ بذكر إبراهيم بعد التكرير