قيل : وليس المراد باقامة الصلاة على هذا أداؤها بل اظهارها بين الناس وتشريعها ليكون وصفا خاصا وقيل : المراد بالمقيمين الملائكة لقوله تعالى : يسبحون الليل والنهار لايفترون وقيل : المسلمون بتقدير مضاف أى وبين المقيمين وقال قوم : إنه معطوف على ضمير منهم وقيل ضمير اليك وقيل : ضمير قبلك والبصريون لايجيزون هذه الأوجه الثلاثة لما فيها من العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار وقد تقدم الكلام فى ذلك وزعم بعض المتأخرين أن الأشبه نصبه على التوهم لكون السابق مقام لكن المثقلة وضع موضعها لكن المخففة ولايخفى مافيه وبالجملة لايلتفت إلى من زعم أن هذا من لحن القرآن وأن الصواب والمقيمون بالواو كما فى مصحف عبد الله وهى مالك بن دينار والجحدرى وعيس الثقفى إذ لاكلام فى نقل النظم تواترا فلا يجوز اللحن فيه أصلا وأما ماروى أنه لما فرغ من المصحف أتى به الى عثمان رضى الله تعالى عنه فقال : قد أحسنتم وأجملتم أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها ولو كان المملى من هذيل والكتاب من قريش لم يوجد فيه هذا فقد قال السخاوى : انه ضعيف والاسناد فيه اضطراب وانقطاع فان عثمان رضى الله تعالى عنه حعل للناس إماما يقتدون به فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها وقد كتب عدة مصاحف وليس فيها اختلاف أصلا إلا فيما هو من وجوه القراآت واذا لم يقيمه هو ومن باشر الجمع وهم هم كيف يقيمه غيرهم ! وتأول قوم اللحن فى كلامه على تقدرير صحته عنه بأن المراد الرمز والايماء كما فى قوله : منطق رائع وتلحن أحيا نآوخير الكلام ماكان لحنا أى المراد به ةالرمز بحذف بعض الحروف خطآ كألف الصابرين مما يعرفه القراء إذا رأوه وكذا زيادة بعض الحروف وقد قدمنا لك ما ينفعك هنا فتذكر .
ثم الظاهر أن المقيمين على قراءة الرفع معطوف على سابقه وينزل أيضا التغاير العنوانى منزلة التغاير الذاتى والعطف على ضمير يؤمنون ليس بشىء وكذا الحال فى قوله تعالى : والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله تعالى واليوم الآخر فان المراد بالكل مؤمنوا أهل الكتاب وصفوا أولا بكونهم راسخين فى علم الكتاب لايعترضهم شك ولاتزلزلهم شبهة إيذانا بأن ذلك موجب للايمان وأن من عداهم إنما بقوا مصرين لعدم رسوخهم فيه بل هم كريشة فى بيداء الضلال تقلبهم زعازع الشكوك والأوهام ثم بكونهم مؤمنين بجميع ما أنزل من الكتاب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ثم بكونهم عاملين بما فبها من الاحكام واكتفى من بينها بذكر اقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المستتبعين لسائر العبادات البدنية والمالية ولما أن إقامة الصلاة على وجهها انتصابا بين يدى الحق جل جلاله وانقطاعا عن السوى وتوجها إلى المولى كسى المقيمين حلة النصب ليهون عليهم النصب وقطعهم عن التبعية فياما أحيلى قطع يشير إلى الاتصال بأعلى الرتب ثم وصفهم بكونهم بالمبدأ والمعاد تحقيقا لحيازتهم الإيمان بقطريه وإحاطتهم به من طرفيه وتعريضا بأن من عداهم من أهل الكتاب ليسوا مؤمنين بواحد منهما حقيقة لأنهم قد مزجوا الشهد سما وغدوا عن اتباع الحق الصرف عميا وصما إولئك اشارة إلى الموصوفين بما تقدم من الصفات الجليلة الشأن المحكمة البنيان وهو مبتدأ وقوله تعالى : سنؤتيهم أجرا عظيما خبره والجملة خبر المبتدأ الذي هو