الواقعة اختلف الناس فقال بعضهم : إنه كان كاذبا فقتلناه حقا وتردد آخرون فقال بعضهم : إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا وإن كان صاحبنا فأين عيسى ! وقال بعضهم : الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا وقال من سمع منه إن الله تعالى يرفعنى إلى السماء وقالت النصارى الذين يدعون ربويته عليه السلام : صلب الناسوت وصعد اللاهوت ولهذا لايعدون القتل نقيصة حيث لم يضيفوه إلى اللاهوت ويرد هؤلاء إن ذلك عند اليعقوبية القائلين : إن المسيح قد صار بالاتحاد طبيعة واحدة إذ الطبيعة الواحدة لم يبق فيها ناسوت متميز عن لاهوت والشىء الواحد لايقال : مات ولم يمت وأهين ولم يهن .
وأما الروم القائلون : بأن المسيح بعد الاتحاد باق على طبيعتين فيقال لهم : فهل فارق اللاهوت ناسوته عند القتل فان قالوا : فارقه فقد أبطلوا دينهم فلم يستحق المسيح الربوبية عندهم إلا بالاتحاد وإن قالوا : لم يفارقه فقد التزموا ماورد على اليعقوبية وهو قتل اللاهوت مع الناسوت وإن فسروا الاتحاد بالتدرع وهو أن الإله جعله مسكنا وبيتا ثم فارقه عند ورود ماورد على الناسوت أبطلوا آلهيته فى تلك الحالة وقلنا لهم : أليس قد أهين وهذا القدر يكفى فى إثبات النقيصة إذ لم يأنف اللاهوت لمسكنه أن تناله هذه النقائص فان كان قادرا على نفيها فقد أساء مجاورته ورضى بنقيصته وذلك عائد بالنقص عليه فى نفسه وإن لم يكن قادرا فذلك أبعد له عن عز الربوبية وهؤلاء ينكرون إلقاء الشبه ويقولون : لايجوز ذلك لأنه إضلال ورده أظهر من أن يخفى ويكفى فى اثباته أنه لو لم يكن ثابتا لزم تكذيب المسيح وإبطال نبوته بل وسائر النبوات على أن قولهم فى الفصل إن المصلوب قال : إلهى إلهى لم ترتكتنى وخذلتنى وهو ينافى الرضا بمر القضا ويناقض التسليم لأحكام الحكيم وأنه شكى العطش وطالب الماء والانجيل مصرح بأن المسيح كان يطوى أربعين يوما وليلة إلى غير ذلك مما لهم فيه إن صح مما ينادى على أن المصلوب هو الشبه كما لايخفى .
فالمراد من الموصول مايعم اليهود والنصارى جميعا لفى شك منه أى لفى تردد وأصل الشك أن يستعمل فى تساوى الطرفين وقد يستعمل فى لازم معناه وهو التردد مطلقا وإن لم يترجح أحد طرفيه وهو المراد هنا ولذا أكده بنفى العلم الشامل لذلك أيضا بقوله سبحانه : مالهم من علم الا اتباع الظن والاستثناء منقطع أى لكنهم يتبعون الظن .
وجوز أن يفسرالشك بالجهل والعلم بالاعتقاد الذي تسكن اليه النفس جزما كان أو غيره فالاستثناء حينئذ متصل واليه ذهب ابن عطية إلا أنه خلاف المشهور وماقيل : إن اتباع الظن ليس من العلم قطعا فلا يتصور اتصاله فمدفوع بأن من قال به جعله بمعنى الظن المتبع وماقتلوه يقينا الضمير لعيسى عليه السلام كما هو الظاهر أى ماقتلوه قتلا يقينا أو متيقنين ولايرد أن نفى القتل المتيقن يقتضى ثبوت القتل المشكوك لأنه لنفى القيد ولامانع من أنه قتل فى ظنهم فانه يقتضى أنه ليس فى نفس الأمر كذلك فلاحاجة إلى التزام جعل يقينا مفعولا مطلقا لفعل محذوف والتقدير تيقنوا ذلك يقينا وقيل : هو راجع إلى العلم وإليه ذهب الفراء وابن قتيبة أى وماقتلوه العلم يقينا من قولهم : قتلت العلم والرأى وقتلت كذا علما إذا تبالغ علمك فيه وهو مجاز كما فى الأساس والمعنى ماعلموه يقينا وقيل : الضمير للظن أى ماقطعوا الظن يقينا ونقل ذلك عن ابن عباس رضى الله تعال عنهما والسدى وحكى ابن الانبارى أن فى الكلام تقديما وتأخيرا وأن يقينا