وخداعا لاهله وأما ماروى فى الصحيحين من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد غدر وإذا خاصم فجر فقد قال المحدثون فيه : انه مخصوص بزمانه صلى الله تعالى عليه وسلم لاطلاعه بنور الوحى على بواطن المتصفين بهذه الخصال فأعلم E أصحابه رضى الله تعالى عنهم بأمارتهم ليحترزوا عنهم ولم يعنيهم حذرا عن الفتنة وارتدادهم ولحقوهم بالمحاربين وقيل : ليس بمخصوص ولكنه مؤل بمن استحل ذلك أو المراد من اتصف بهذه فهو شبيه بالمنافقين الخلص وأطلق صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك عليه تغليظا وتهديدا له وهذا فى حق من اعتاد ذلك لامن ندر منه أو هو منافق فى أمور الدين عرفا والمنافق فى العرف يطلق على كل من أبطن خلاف مايظهر مما يتضرر به وإن لم يكن إايمانا وكفرا وكأنه مأخوذ من النافقاء وليس المراد الحصر وهذا صدر منه صلى الله تعالى عليه وسلم باقتضاء المقام ولذا ورد فى بعض الروايات ثلاث وفى بعضها أربع .
وقرأ الكوفيون الدرك بسكون الراء وهو لغة كالسطر والسطر والفتح أكثر وأفصح لأنه ورد جمعه على أفعال وأفعال فى فعل المحرك كثير مقيس ووروده فى الساكن نادر كفرخ وأفراخ وزند وأزناد وكونه استغنى بجمع أحدهما عن الآخر جائز لكنه خلاف الظاهر فلا يندفع به الترجيح والكلام مخرج مخرج الحقيقة وزعم أبو القاسم البلخى أن لاطبقات فى النار وأن هذا إخبار عن بلوغ الغاية فى العقاب كما يقال : إن السلطان بلغ فلانا الحضيض وفلانا العرش يريدون بذلك انحطاط المنزلة وعلوها لا المسافة ولايخفى أنه خلاف ماجاءت به الآثار ومن النار فى محل نصب على الحال وفى صاحبها وجهان : أحدهما أنه الدرك والعامل الاستقرار والثانى أنه الضمير المستتر فى الأسفل لأنه صفة فيحتمل الضمير أى حال كون ذلك من النار ولن تجد لهم نصيرا يخرجهم منه أو يخفف عنهم ماهم فيه يوم القيامة حين يكونون فى الدرك الاسفل وكون المراد ولن تجد لهم نصيرا فى الدنيا لتكون الآية وصفا لهم بأنهم خسروا الدنيا والآخرة ليس بشىء كما لايخفى والخطاب لكل كمن يصلح له إلا الذين تابوا عن النفاق وهو استثناء من المنافقين أو من ضميرهم فى الخبر أو من الضمير المجرور فى لهم وقيل : هو فى موضع رفع بالابتداء والخبر مابعد الفاء ودخلت لما فى الكلام من معنى الشرط وأصلحوا ماأفسدوا من نياتهم وأحوالهم فى حال النفاق وقيل : ثبتوا على التوبة فى المستقبل والأول أولى واعتصموا بالله أى تمسكوا بكتابه أو ثقوا به وأخلصوا دينهم لله لايريدون بطاعتهم إلا وجهه ورضاه سبحانه لارياء الناس ودفع الضرر كما فى النفاق وأخرج أحمد والترمذى وغيرهما عن أبى ثمامة قال : قال الحواريون لعيسى عليه السلام : ياروح الله من المخلص لله قال : الذي يعمل لله تعالى لايحب أن يحمده الناس عليه فأولئك اشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما فى حيز الصفة ومافيه من معنى البعد لما مر غير مرة مع المؤمنين أى المعهودين من الذين لم يصدر منهم نفاق أصلا منذ أن آمنوا والمراد أنهم معهم فى الدرجات العالية من الجنة أو معدودون من جملتهم فى الدنيا والآخرة وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما لا يقادر قدره فيساهمونهم فيه ويقاسمونهم