ورده فى الكشف بأنه تخصيص بما يأباه الشرط الاول ثم إنه إذا كان مألوف الصائمين الاعتكاف مثلا تناول الأمر باتباعهم ذلك أيضا فكذلك يتناول ماهو مقتضى الإيمان فيما نحن فيه فسبيل المؤمنين هنا عام على ما أشرنا اليه .
واعترض بأن المعطوف عليه مقيد بتبين الهدى فيلزم فى المعطوف ذلك فاذا لم يكن فى الاجماع فائدة لأن الهدى عام لجميع الهداية ومنها دليل الاجماع وإذا حصل الدليل لم يكن للمدلول فائدة وأجيب بمنع لزوم القيد فى المعطوف وعلى تقدير التسليم فالمراد بالهداية الدليل على التوحيد والنبوة فتفيد الآية أن مخالفة المؤمنين بعد دليل التوحيد والنبوة حرام فيكون الاجماع مفيدا فى الفروع بعد تبين الأصول وأوضح القاضى وجه الاستدلال بها على حجية الإجماع وحرمة مخالفته بأنه تعالى رتب فيها الوعيد الشديد على المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين وذلك إما لحرمة كل واحد منهما أو أحدهما أو الجمع بينهما والثانى باطل اذ يقبح أن يقال : من شرب الخمر وأكل الخبز استوجب الحد وكذا الثالث لأن المشاقة محرمة ضم اليها غيرها أو لم يضم وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرما كان اتباع سبيلهم واجبا لأن ترك اتباع سبيلهم ممن عرف سبيلهم اتباع غير سبيلهم .
فان قيل لانسلم أن ترك اتباع سبيل المؤمنين يصدق عليه أنه اتباع لغير سبيل المؤمنين لأنه لايمتنع أن لايتبع سبيل المؤمنين ولاغير سبيل المؤمنين أجيب بأن المتابعة عبارة عن الاتيان بمثل فعل الغير فاذا كان من شأن غير المؤمنين أن لايقتدوا فى أفعالهم بالمؤمنين فكل من لم يتبع من المؤمنين سبيل المؤمنين فقد أتى بفعل غير المؤمنين واقتفى أثرهم فوجب أن يكون متبعا لهم وبعبارة أخرى ان ترك اتباع سبيل المؤمنين اتباع لغير سبيل المؤمنين لأن المكاف لايخلو من اتباع سبيل البتة واعترض أيضا بأن هذا الدليل غير قاطع لأن غير سبيل المؤمنين يحتمل وجوها من التخصيص لجواز أن يراد سبيلهم فى متابعة الرسول أو فى مناصرته أو فى الاقتداء به E أو فيما صاروا به مؤمنين وإذا قام الاحتمال كان غايته الظهور والتمسك بالظاهر انما يثبت بالاجماع ولولاه لوجب العمل بالدلائل المانعة من اتباع الظن فيكون اثباتا للاجماع بما لايثبت حجيته إلا به فيصير دورا واستصعب التفصى عنه وقد ذكره ابن الحاجب فى المختصر وقريب منه قول الاصفهانى فى اتباع سبيلهم لما احتمل ما ذكر وغيره صار عاما ودلالته على فرد من أفراده غير قطعية لاحتمال تخصيصه بما يحرجه مع مافيه من الدور وأجاب عن الدور بأنه إنما يلزم لو لم يقم عليه دليل آخر وعليه دليل آحر وهو أنه مظنون يلزم العمل به لأنا إن لم نعمل به وحده فإما أن نعمل به وبمقابله أو لانعمل بهما أو نعمل بمقابله وعلى الاول يلزم الجمع بين النقيضين وعلى الثانى ارتفاعهما وعلى الثالث العمل بالمرجوح مع وجود الراجح والكل باطل فليزم العمل به قطعا واعترض أيضا بمنع حرمة اتباع غير سبيل المؤمنين مطلقا بل بشرط المشاقة وأجاب عنه القوم بما لايخلوا عن ضعف وبأن الاستدلال يتوقف على تخصيص المؤمنين بأهل الحل والعقد فى كل عصر والقرينة عليه غير ظاهرة وبأمور أخرى ذكرها الآمدى والتلمسانى وغيرهما وأجابوا عما أجابوا عنه منها وبالجملة لايكاد يسلم هذا الاستدلال من قيل وقال وليست حجية الاجماع موقوفة على ذلك كما لايخفى إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء قد مر تفسيره فيما سبق وكرر للتأكيد وخص هذا الموضع به ليكون كالتكميل لقصة من سبق بذكر الوعد بعد ذكر الوعيد فى ضمن الآيات السابقة فلا يضر بعد العهد أو لأن للآية سببا آخر فى النزول فقد أخرج الثعلبى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن شيخا من العرب جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إنى شيخ منهمك