بالذكر من بين ماشمله هذا العام إيذانا بلاعتناء بهما لما فى الأول من بذل المال الذى هو شقيق الروح وما فى الثانى من إزالة فساد ذات البين وهى الحالقة للدين كما فى الخبر وقدم الصدقة على الاصلاح لما أن الأمر بها أشق لما فيه من تكليف بذل المحبوب والنفس تنفر عمن يكلفها ذلك ولا كذلك الأمر بالاصلاح وذكر الامام الرزاى أن السر فى إفراد هذه الاقسام الثلاثة بالذكر أن عمل الخير المتعدى إلى الناس إما لإيصال المنفعة أو لدفع المضرة والمنفعة اما جسمانية كإعطاء المال وإليه اشارة بقوله تعالى : إلا من أمر بدقة وإما روحانية وإليه الاشارة بالأمر بالمعروف وأما رفع الضر فقد أشير اليه بقوله تعالى : أو اصلاح بين الناس ولايخفى مافيه والمراد من الاصلاح بين الناس التأليف بينهم بالمودة إذا تفاسدوا من غير أن يجاوز فى ذلك حدود الشرع الشريف نعم أبيح الكذب لذلك فقد أخرج الشيخان وأبو داود عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ليس الكذاب الذى يصلح بين الناس فينمى خيرا أو يقول خيرا وقالت : لم أسمعه يرخص فى شىء مما يقوله الناس إلا فى ثلاث : فى الحرب والاصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها .
وعد غير واحد الاصلاح من الصدقة وأيد بما أخرجه البيهقى عن أبى أيوب أن النبى صلى الله عليه و سلم قال له : يأبا أيوب ألا أدلك على صدقة يرضى الله تعالى ورسوله موضعها قال بلى قال : تصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتقرب بينهم إذا تباعدوا وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أفضل الصدقة اصلاح ذات البين وهذ الخبر ظاهر فى أن الاصلاح أفضل من الصدقة بالمال .
ومثله ماأخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه عن أبى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا : بلى قال : اصلاح ذات البين ولايخفى أن هذا ونحوه مخرج مخرج الترغيب واليس المراد ظاهره إذ لاشك أن الصيام المفروض والصلاة المفروضة والصدقة كذلك أفض من الاصلاح اللهم إلا أن يكون إصلاح يترتب على عدمه شر عظيم وفساد بين الناس كبير .
ومن يفعل ذلك أى المذكور من الصدقة وأخويها والكلام تذييل للاستثناء وكان الظاهر من يأمر بذلك ليكون مطابق للمذيل إلا أنه رتب الوعد على الفعل إثر بيان خيرية الآمر لما أن المقصود الترغيب فى الفعل وبيان خيرية الآمر به للدلالة على خيريته بالطريق الأولى وجوز أن يكون عبر عن الأمر بالفعل إذ هو يكنى به عن جميع الاشياء كما إذا قيل : حلفت على زيد وأكرمته وكذا وكذا فتقول : نعم مافعلت ولعل نكتة العدول عن يأمر الى يفعل حينئذ الاشارة إلى أن التسبب لفعل غير الصدقة والاصلاح والمعروف بأى وجه كان كاف فى ترتيب الثواب ولايتوقف ذلك على اللفظ ويجوز جعل ذلك إشارة الى الأمر فيكون معنى من أمر ومن يفعل الأمر واحدا وقيل : لاحاجة إلى جعله تذييلا ليحتاج إلى التأويل تحصيلا للمطابقة بل لما ذكر الآمر استطراد ذكر ممتثل أمره كأنه قيل : ومن يمتثل ابتغاء مرضات الله أى لأجل طلب رضاء الله تعالى فسوف نؤتيه بنون العظمة على الالتفات وقرأ أبو عمرو وحمزة وقتيبة عن الكسائى وسهل وخلف بالياء أجرا عظيما لايحيط به نطاق الوصف قيل : وإنما قيد الفعل بالابتغاء المذكور لأن الأعمال بالنيات وإن من فعل خيرا لغير ذلك لم يستحق به غير الحرمان ولايخفى أن هذا ظاهر فى أن الرياء محبط لثواب