الذنوب مالم تتغير الفطرة غفورا يستر بنور صغاته صفات النفوس القابلة لذلك ومن يهاجر فى سبيل الله عن مقار النفس المألوفة يجد فى الأرض أى أرض استعداده مراغنا كثيرا أى منازلا كثيرة يرغم فيها أنوف قوى نفسه وسعة أى انشراحا فى الصدر لسبب الخلاص من مضايق صفات النفس وأسر الهوى ومن يخرج من بيته أى مقامه الذى هو فيه مهاجرا إلى الله بالتوجه إلى توحيد الذات ورسوله بالتوجه إلى طلب الاستقامة فى توحيد الصفات ثم يدركه الموت أى الانقطاع فقد أوقع أجره على الله حسبما توجه اليه وكان الله غفورا رحيما فيستر بصفاته صفات من توجه اليه ويرحم من انقطع دون الوصول بما هو أهله واالله تعالى الهادى إلى سواء السبيل ثم إنه سبحانه بعد أن أمر الجهاد ورغب فى الهجرة أردف ذلك بيان كيفية الصلاة عند الضرورات من تخفيف المؤنة مايؤكد العزيمة على ذلك فقال سبحانه وتعالى : وإذا ضربتم فى الأرض أى سافرتم أى سفر كان ولذا لم يقيد بما به المهاجرة والشافعى رضى الله تعالى عنه يخص السفر بالمباح كسفر التجارة والطاعة كسفر الحج ويخرج سفر المعصية كقطع الطريق والإباق فلا يثبت فيه الحكم الآتى لأنه رخصة وهى إنما تثبت تخفيفا وما كان ذلك لايتعلق بما يوجب التغليظ لأن إضافة الحكم إلى وصف يقتضى خلافه فساد فى الوضع ولنا إطلاق النصوص مع وجود قرينة فى بعضها تشعر بارادة المطلق وزيادة قيد عدم المعصية نسخ على ماعرف فى موضعه ولأن نفس السفر ليس بمعصية إذ هو عبارة عن خروج مديد وليس فى هذا شىء من المعصية وإنما المعصية مايكون بعده كما فى السرقة أو مجاوره كما فى الإباق فيصلح من حيث ذاته متعلق الرخصة لامكان الانفكاك عما يجاوره كما اذا غضب خفا ولبسه فانه يجوز له أن يمسح عليه لأن الموجب ستر قدمه ولامحظور فيه وإنما هو فى مجاوره وهو صفة كونه مغضوبا وتمامه فى الأصول .
والمراد من الأرض مايشمل البر والبحر والمقصود التعميم أى إذا سافرتم فى أى مكان يسافر فيه من بر أو بحر فليس عليكم جناح أى حرج وإثم أن تقصروا أى فى أن تقصروا والقصر خلاف المد يقال : قصرت الشىء إذا جعلته قصيرا بحذف بعض أجزائه أو أوصافه فمتعلق اقصر إنما هو ذلك الشىء لابعضه فانه متعلق الحذف دون القصر فقوله تعالى : من الصلواة ينبغى على هذا أن يكون مفعولا لتقصروا و من زائدة حسبما نقله أبو البقاء عن الأخفش القائل بزيادتها فى الاثبات وأما على تقدير أن تكون تبعيضية ويكون المفعول محذوفا والجار والمجرور فى مةوضع الصفة على مانقله الفاضل المذكور عن سيبويه أى شيئا من الصلاة فينبغى أن يصار إلى وصف الجزء بوصف الكل أو يراد بالقصر الحبس كمافى قوله تعالى : حور مقصورات فى الخيام أو يراد بالصلاة الجنس ليكون المقصود بعضا منها وهى الرباعية أى فليس عليكم جناح فى أن تقصروا بعض الصلاة بتنصيفها وقرىء تقصروا من أقصر ومصدره الاقصار .
وقرأ الزهرى تقصروا بالتشديد ومصدره التقصير والكل بمعنى وأدنى مدة السفر الذي يتعلق به القصر فى المشهور عن الامام أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الابل ومشى الاقدام بالاقتصاد فى البر وجرى السفينة والريح معتدلة فى البحر ويعتبر فى الجبل كون هذه المسافة من طريق الجبل بالسير الوسط أيضا وفى رواية عنه رضى الله تعالى عنه التقدير بالمراحل وهو قريب من المشهور