مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا أى لاتنفروا من استسلم لكم وأسلم نفسه بأيدكم لترشدوه فتقولوا له لست مؤمنا صادقا لتعلق قلبك بالدنيا فسلم ماعندك من حطامها ليخلوا قلبك لربك وتصلح لسلوك الطريق فعند الله مغانم كثيرة للسالكين اليه فاذا حظى بها السالك ترك لها مافى يده من الدنيا وأعرض قلبه عن ذلك كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا أى مثل هذا المريد كنتم أنتم فى مبادى طلبكم وتسليم أنفسكم للمشايخ حيث كان لكم تعلق بالدنيا فمن الله عليكم بعد السلوك بتلك المغانم الكثيرة التى عنده فأنساكم جميع مافى أيديكم وفطم قلوبكم عن الدنيا بأسرها فقيسوا حال من يسلم نفسه اليكم بحالكم لتعلموا أن الله سبحانه بمقتضى ماعود المتوجهين اليه الطالبين له سيمن على هؤلاء بما من به عليكم ويخرج حب الدنيا من قلوبهم بأحسن وجه كما أخرجه من قلوبكم .
والحاصل أنه لاينبغى أن يقال لمن أراد التوجه إلى الحق جل وعلا من أرباب الدنيا فى مبادى الأمر : اترك دنياك واسلك لأن ذلك مما ينفره ويسد باب التوجه عليه لشدة ترك المحبوب دفعة واحدة ولكن يؤمر بالسلوك ويكلف من الأعمال مايخرج ذلك عن قلبه لكن على سبيل التدريج إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم يمنعها عن حقوقها التى اقتضتها استعداداتهم من الكلمات المودعة فيها قالوا فيم كنتم حيث قعدتم عن السعى وفرطتم فى جنب الله تعالى وقصرتم عن بلوغ الكمال الذى ندبتم اليه قالوا مستضعفين فى الأرض أى أرض الاستعداد باستيلاء قوى النفس الأمارة وغلبة سلطان الهوى وشيطان الوهم : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها أى لم تكن سعة استعدادكم بحيث تهاجروا فيها من مبدأ فطرتكم إلى نهاية كمالكم وذلك مجال واسع فلو تحركتم وسرتم بنور فطرتكم خطوات يسيرة بحيث ارتفعت عنكم بعض الحجب انطلقتم عن أسر القوى وتخلصتم عن قيود الهوى وخرجتم عن القرية الظالم أهلها التى هى مكة النفس الأمارة إلى البلدة الطيبة التى هى مدينة القلب وإنما نسب سبحانه وتعالى هنا التوفى إلى الملائكة لأن التوفى وهو استيفاء الروح من البدن بقبضها عنه على ثلاثة أوجه : توفى الملائكة وتوفى ملك الموت وتوفى الله تعالى فأما توفى الملائكة فهو لأرباب النفوس وهم اما سعداء وإما أشقياء وأما توفى ملك الموت فهو لأرباب القلوب الذين برزوا عن حجاب النفس إلى مقام القلب وأما توفى الله تعالى فهو للموحدين الذين عرج بهم عن مقام القلب إلى محل الشهود فلم يبق بينهم وبين ربهم حجاب فهو سبحانه يتولى قبض أرواحهم بنفسه ويحشرهم إلى نفسه D ولما لم يكن الظالمين من أحد الصنفين الأ خيرين نسب سبحانه توفيهم الى الملائكة وقيد ذلك بحال ظلمهم أنفسهم فأولئك مأواهم جهنم الطبيعة وساءت مصيرا لما أن نار البعد والحجاب بها موقدة إلا من المستضعفين من الرجال وهم كما قال بعض العارفين : أقوياء الاستعداد الذين قويت قواهم الشهوية والغضبية مع قوة استعدادهم فلم يقدروا على قمعها فى سلوك طريق الحق ولم يذعنوا لقواهم الوهبية والخيالية قيبطل استعدادهم بالعقائد الفاسدة فى أسر قواهم البدنية مع تنور استعدادهم بنور العلم وعجزهم عن السلوك برفع القيود والنساء أى القاصرين الاستعداد عن درك الكمال العلمى وسلوك طريق التحقيق الضعفاء القوى قيل : وهم البله المذكورون فى خبر أكثر أهل الجنة البله والولدان أى القاصرين عن بلوغ درجة الكمال لفترة تلحقهم من قبل صفات النفس لايستطعيون حيلة لعدم قدرتهم وعجزهم عن كسر النفس وقمع الهوى ولايهتدون سبيلا لعدم علمهم بكيفية السلوك فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم بمحو تلك الهيئات المظلمة لعدم رسوخها وسلامة عقائدهم وكان الله عفوا عن