ومجرد أن الدخول فى الاسلام لم يكن تحت ظلال السيوف لايدل على ذلك فمن الله تعالى عليكم بأن قبل ذلك منكم ولم يأمر بالفحص عن تواطؤ ألسنتكنم وقلوبكم وعصم ذلك دمائكم وأموالكم فاذا كان الأمر كذلك فتبينوا هذا الامر ولاتعجلوا وتدبروا ليظهر لكم أن ظاهر الحال كاف فى الايمان العاصم حيث كفى فيكم من قبل وأخر هذا التعليل على ماقيل : لما فيه من نوع تفصيل ربما يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم مع مافيه من مراعاة المقارنة بين التعليل السابق وبين ماعلل به أو لأن فى تقديم الأول اشارة الى ميل القوم نحو ذلك العرض وأن سرورهم به أقوى ففى تقديمه تعجيل لمسرتهم وفيه نوع حط عليهم رفع الله تعالى قدرهم ورضى المولى عز شأنه عنهم أو لأنه أوضح فى التعليل الأخير وأسبق للذهن منه ولعله لم يعطف أحد التعليلين على الآخر لئلا يتوهم أنهما تعليلا شىء واحد أو أن مجموعهما علة وقيل : موافقه لما علل بهما من القيد والمقيد حيث لم يتمايز بالعطف وقيل : إنما لم يعطف لأن الأول تعليل للنهى الثانى بالوعد بأمر أخروى لأن المعنى لاتبتغوا عرض الحياة الدنيا لأن عنده سبحانه ثوابا كثيرا فى الآخرة أعده لمن لم يبتغ ذلك وعبر عن الثواب بالمغانم مناسبة للمقام والتعليل الثاني للنهى الأول ليس كذلك وذكر الزمخشرى وغيره فى الآية مارده شيخ الاسلام بما يلوح عليه مخايل التحقيق وقال بعض الناس فيها : إن المعنى كما كان هذا الذي قتلتموه مستخفيا بدينه فى قومه خوفا على نفسه منهم كنتم أنتم مستخفين بدينكم حذرا من قومكم على أنفسكم فمن الله تعالى عليكم بإظهار دينه وإعزاز أهله حتى أظهرتم الاسلام بعدما كنتم تكتمونه من أهل الشرك فتبينوا نعمة الله عليكم أو تبينوا أمر من تقتلونه ولايخفى أن هذا وإن كان بعضه مرويا عن ابن جبير غير واف بالمقصود على أن القول : بأن المخاطبين كانوا مستخفين بدينهم حذرا من قومهم فى حيز المنع اللهم إلا إن يقال : ان كون البعض كان مستخفيا كاف فى الخطاب وقيل إن قوله سبحانه : فمن الله عليكم منقطع عما قبله وذلك أنه تعالى لما نهى القوم عن قتل من ذكر أخبرهم بعد بأنه من عليهم بأن قبل توبتهم عن ذلك الفعل المنكر ثم أعاد الأمر بالتبين مبالغة فى التحذير أو أمر بتبيين نعمته سبحانه شكرا لما من عليهم به وهو كما ترى .
واختلف فى سبب الآية فأخرج أحمد والترمذى وحسنه وابن حميد وصححه عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال : مر رجل من بنى سليم بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يسوق غنما له فسلم عليهم فقالوا : ماسلم علينا إلا ليتعوذ منا فعمدوا له فقتلوه وأتوا بغنمه النبى صلى الله عليه و سلم فنزلت .
وأخرج ابن جرير عن السدى قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية عليها أسامة بن زيد الى بنى ضمرة فلقوا رجلا منهم يدعى مرداس بن نهيك معه غنيمة له وجمل أحمر فآوى إلى كهف جبل واتبعه اسامة فلما بلغ مرداس الكهف وضع فيه غنمه ثم أقبل عليهم فقال : السلام عليكم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فشد عليه أسامة فقتله من أجل جمله وغنيمته وكان النبى صلى الله عليه و سلم إذا بعث اسامة أحب أن يثنى عليه خيرا ويسأل عن أصحابه فلما رجعوا لم يسألهم عنه فجعل القوم يحدثون النبى صلى الله عليه و سلم ويقولون يارسول الله لو رأيت أسامة وقد لقيه رجل فقال الرجل : لا إله إلا الله محمد رسول الله فشد عليه فقتله وهو معرض عنهم فلما أكثروا عليه رفع رأسه الى أسامة فقال : كيف أنت ولا إله إلا الله فقال يارسول الله إنما قالها متعوذا يتعوذ بها فقال E : هلا شققت عن قلبه فنظرت اليه ! ثم نزلت الآية